للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مَرْغُوبِهِ فَلَا يَكُونُ عَبْدًا لِلَّهِ وَمُحِبَّهُ إلَّا بَيْنَ خَوْفٍ وَرَجَاءٍ؛ قَالَ تَعَالَى: {أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ إنَّ عَذَابَ رَبِّكَ كَانَ مَحْذُورًا} وَإِذَا كَانَ الْعَبْدُ مُخْلِصًا لَهُ اجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَيُحْيِي قَلْبَهُ وَاجْتَذَبَهُ إلَيْهِ فَيَنْصَرِفُ عَنْهُ مَا يُضَادُّ ذَلِكَ مِنْ السُّوءِ وَالْفَحْشَاءِ وَيَخَافُ مِنْ حُصُولِ ضِدِّ ذَلِكَ؛ بِخِلَافِ الْقَلْبِ الَّذِي لَمْ يُخْلِصْ لِلَّهِ فَإِنَّهُ فِي طَلَبٍ وَإِرَادَةٍ وَحُبٍّ مُطْلَقٍ فَيَهْوَى مَا يَسْنَحُ لَهُ وَيَتَشَبَّثُ بِمَا يَهْوَاهُ كَالْغُصْنِ أَيُّ نَسِيمٍ مَرَّ بِعِطْفِهِ أَمَالَهُ. فَتَارَةً تَجْتَذِبُهُ الصُّوَرُ الْمُحَرَّمَةُ وَغَيْرُ الْمُحَرَّمَةِ؛ فَيَبْقَى أَسِيرًا عَبْدًا لِمَنْ لَوْ اتَّخَذَهُ هُوَ عَبْدًا لَهُ لَكَانَ ذَلِكَ عَيْبًا وَنَقْصًا وَذَمًّا. وَتَارَةً يَجْتَذِبُهُ الشَّرَفُ وَالرِّئَاسَةُ فَتُرْضِيهِ الْكَلِمَةُ وَتُغْضِبُهُ الْكَلِمَةُ وَيَسْتَعْبِدُهُ مَنْ يُثْنِي عَلَيْهِ وَلَوْ بِالْبَاطِلِ وَيُعَادِي مَنْ يَذُمُّهُ وَلَوْ بِالْحَقِّ. وَتَارَةً يَسْتَعْبِدُهُ الدِّرْهَمُ وَالدِّينَارُ وَأَمْثَالُ ذَلِكَ مِنْ الْأُمُورِ الَّتِي تَسْتَعْبِدُ الْقُلُوبَ وَالْقُلُوبُ تَهْوَاهَا فَيَتَّخِذَ إلَهَهُ هَوَاهُ وَيَتَّبِعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِنْ اللَّهِ. وَمَنْ لَمْ يَكُنْ خَالِصًا لِلَّهِ عَبْدًا لَهُ قَدْ صَارَ قَلْبُهُ مُعَبَّدًا لِرَبِّهِ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ بِحَيْثُ يَكُونُ اللَّهُ أَحَبَّ إلَيْهِ مِنْ كُلِّ مَا سِوَاهُ وَيَكُونُ ذَلِيلًا لَهُ خَاضِعًا وَإِلَّا اسْتَعْبَدَتْهُ الْكَائِنَاتُ وَاسْتَوْلَتْ عَلَى قَلْبِهِ الشَّيَاطِينُ وَكَانَ مِنْ الْغَاوِينَ إخْوَانِ الشَّيَاطِينِ وَصَارَ فِيهِ مِنْ السُّوءِ وَالْفَحْشَاءِ مَا لَا يَعْلَمُهُ إلَّا اللَّهُ وَهَذَا أَمْرٌ ضَرُورِيٌّ لَا حِيلَةَ فِيهِ؛ فَالْقَلْبُ إنْ لَمْ يَكُنْ حَنِيفًا مُقْبِلًا عَلَى اللَّهِ مُعْرِضًا عَمَّا