للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

كَمَا رَغِبَ فِي " الزُّهْدِ " وَذَمَّ ضِدَّهُ فِي قَوْلِهِ: {مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لَا يُبْخَسُونَ} {أُولَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ إلَّا النَّارُ} وَقَالَ تَعَالَى: {أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ} السُّورَةَ. وَقَالَ تَعَالَى: {وَتَأْكُلُونَ التُّرَاثَ أَكْلًا لَمًّا} {وَتُحِبُّونَ الْمَالَ حُبًّا جَمًّا} وَقَالَ: {إنَّ الْإِنْسَانَ لِرَبِّهِ لَكَنُودٌ} {وَإِنَّهُ عَلَى ذَلِكَ لَشَهِيدٌ} {وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ} وَقَالَ تَعَالَى: {اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ} الْآيَةَ. وَهَذَا بَابٌ وَاسِعٌ. وَإِنَّمَا الْمَقْصُودُ هُنَا تَمَيُّزُ " الزُّهْدِ الشَّرْعِيِّ " مِنْ غَيْرِهِ وَهُوَ الزُّهْدُ الْمَحْمُودُ وَتَمَيُّزُ " الرَّغْبَةِ الشَّرْعِيَّةِ " مِنْ غَيْرِهَا وَهِيَ الرَّغْبَةُ الْمَحْمُودَةُ فَإِنَّهُ كَثِيرًا مَا يَشْتَبِهُ الزُّهْدُ بِالْكَسَلِ وَالْعَجْزِ وَالْبِطَالَةِ عَنْ الْأَوَامِرِ الشَّرْعِيَّةِ وَكَثِيرًا مَا تَشْتَبِهُ الرَّغْبَةُ الشَّرْعِيَّةُ بِالْحِرْصِ وَالطَّمَعِ وَالْعَمَلِ الَّذِي ضَلَّ سَعْيُ صَاحِبِهِ. وَأَمَّا " الْوَرَعُ " فَهُوَ اجْتِنَابُ الْفِعْلِ وَاتِّقَاؤُهُ وَالْكَفُّ وَالْإِمْسَاكُ عَنْهُ وَالْحَذَرُ مِنْهُ وَهُوَ يَعُودُ إلَى كَرَاهَةِ الْأَمْرِ وَالنُّفْرَةِ مِنْهُ وَالْبُغْضِ لَهُ وَهُوَ أَمْرٌ وُجُودِيٌّ أَيْضًا - وَإِنْ كَانَ قَدْ اخْتَلَفَ فِي الْمَطْلُوبِ بِالنَّهْيِ. هَلْ هُوَ عَدَمُ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ أَوْ فِعْلُ ضِدِّهِ؟ وَأَكْثَرُ أَهْلِ الْإِثْبَاتِ عَلَى الثَّانِي - فَلَا رَيْبَ أَنَّهُ لَا يُسَمَّى وَرِعًا وَمُتَوَرِّعًا وَمُتَّقِيًا إلَّا إذَا وُجِدَ مِنْهُ الِامْتِنَاعُ وَالْإِمْسَاكُ الَّذِي هُوَ فِعْلُ ضِدِّ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ.