للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَأَمَّا إنْ قُلْت إنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ بِهَا - لِكَوْنِهَا آيَاتٍ دَالَّةٍ عَلَيْهِ -: فَهَذَا حَقٌّ؛ وَهُوَ دِينُ الْمُسْلِمِينَ وَشُهُودُ الْعَارِفِينَ لَكِنَّك لَمْ تَقُلْ هَذَا لِوَجْهَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: أَنَّهَا لَا تَصِيرُ آيَاتٍ إلَّا بَعْدَ أَنْ يَخْلُقَهَا وَيَجْعَلَهَا مَوْجُودَةً لَا فِي حَالِ كَوْنِهَا مَعْدُومَةً مَعْلُومَةً وَأَنْتَ لَمْ تُثْبِتْ أَنَّهُ خَلَقَهَا وَلَا جَعَلَهَا مَوْجُودَةً وَلَا أَنَّهُ أَعْطَى شَيْئًا خَلْقَهُ بَلْ جَعَلْت نَفْسَهُ هُوَ الْمُتَجَلِّي لَهَا.

الْوَجْهُ الثَّانِي: أَنَّك قَدْ صَرَّحْت بِأَنَّهُ تَجَلَّى لَهَا وَظَهَرَ لَهَا لَا أَنَّهُ دَلَّ بِهَا خَلْقَهُ وَجَعَلَهَا آيَاتٍ تَكُونُ تَبْصِرَةً وَذِكْرَى لِكُلِّ عَبْدٍ مُنِيبٍ وَاَللَّهُ قَدْ أَخْبَرَ فِي كِتَابِهِ أَنَّهُ يَجْعَلُ فِي هَذِهِ الْمَصْنُوعَاتِ آيَاتٍ وَالْآيَةُ مِثْلُ الْعَلَامَةِ وَالدَّلَالَةِ كَمَا قَالَ: {وَإِلَهُكُمْ إلَهٌ وَاحِدٌ لَا إلَهَ إلَّا هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ} إلَى قَوْلِهِ: {لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ} وَتَارَةً يُسَمِّيهَا نَفْسَهَا آيَةً كَمَا قَالَ تَعَالَى: {وَآيَةٌ لَهُمُ الْأَرْضُ الْمَيْتَةُ أَحْيَيْنَاهَا} وَهَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ اللَّهُ فِي كِتَابِهِ هُوَ الْحَقُّ. فَإِذَا قِيلَ فِي نَظِيرِ ذَلِكَ: تَجَلَّى بِهَا وَظَهَرَ بِهَا كَمَا يُقَالُ عَلِمَ وَعَرَفَ بِهَا كَانَ الْمَعْنَى صَحِيحًا؛ لَكِنَّ لَفْظَ التَّجَلِّي وَالظُّهُورِ فِي مِثْلِ هَذَا الْمَوْضِعِ غَيْرُ مَأْثُورٍ وَفِيهِ إيهَامٌ وَإِجْمَالٌ فَإِنَّ الظُّهُورَ وَالتَّجَلِّيَ يُفْهَمُ مِنْهُ الظُّهُورُ وَالتَّجَلِّي لِلْعَيْنِ لَا سِيَّمَا لَفْظُ التَّجَلِّي فَإِنَّ اسْتِعْمَالَهُ فِي التَّجَلِّي لِلْعَيْنِ هُوَ الْغَالِبُ وَهَذَا مَذْهَبُ الِاتِّحَادِيَّةِ صَرَّحَ بِهِ ابْنُ عَرَبِيٍّ وَقَالَ: فَلَا تَقَعُ الْعَيْنُ إلَّا عَلَيْهِ. وَإِذَا كَانَ عِنْدَهُمْ أَنَّ الْمَرْئِيَّ بِالْعَيْنِ هُوَ اللَّهُ فَهَذَا كُفْرٌ صَرِيحٌ بِاتِّفَاقِ الْمُسْلِمِينَ بَلْ قَدْ ثَبَتَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: {وَاعْلَمُوا أَنَّ أَحَدًا