للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ثُمَّ نَقُولُ ثَانِيًا: لَوْ كَانَ الْخَارِقُ يَنَالُهُ مِنْ الرِّيَاسَةِ وَالْمَالِ أَكْثَرُ مِنْ صَاحِبِ الدِّينِ لَكَانَ غَايَتُهُ أَنْ يَكُونَ مَلِكًا مِنْ الْمُلُوكِ بَلْ مُلْكُهُ إنْ لَمْ يُقْرِنْهُ بِالدِّينِ فَهُوَ كَفِرْعَوْنَ وَكَمُقَدِّمِي الْإِسْمَاعِيلِيَّة وَنَحْوِهِمْ وَقَدْ قَدَّمْنَا أَنَّ رِيَاسَةَ الدُّنْيَا الَّتِي يَنَالُهَا الْمُلُوكُ بِسِيَاسَتِهِمْ وَشَجَاعَتِهِمْ وَإِعْطَائِهِمْ أَعْظَمُ مِنْ الرِّيَاسَةِ بِالْخَارِقِ الْمُجَرَّدِ فَإِنَّ هَذِهِ أَكْثَرُ مَا يَكُونُ مُدَّةً قَرِيبَةً.

الْخَامِسُ أَنَّ الدِّينَ يَنْفَعُ صَاحِبَهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَيَدْفَعُ عَنْهُ مَضَرَّةَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَحْتَاجَ مَعَهُ إلَى كَشْفٍ أَوْ تَأْثِيرٍ. وَأَمَّا الْكَشْفُ أَوْ التَّأْثِيرُ فَإِنْ لَمْ يَقْتَرِنْ بِهِ الدِّينُ وَإِلَّا هَلَكَ صَاحِبُهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ أَمَّا فِي الْآخِرَةِ فَلِعَدَمِ الدِّينِ الَّذِي هُوَ أَدَاءُ الْوَاجِبَاتِ وَتَرْكُ الْمُحَرَّمَاتِ وَأَمَّا فِي الدُّنْيَا فَإِنَّ الْخَوَارِقَ هِيَ مِنْ الْأُمُورِ الْخَطِرَةِ الَّتِي لَا تَنَالُهَا النُّفُوسُ إلَّا بِمُخَاطَرَاتِ فِي الْقَلْبِ وَالْجِسْمِ وَالْأَهْلِ وَالْمَالِ فَإِنَّهُ إنْ سَلَكَ طَرِيقَ الْجُوعِ وَالرِّيَاضَةِ الْمُفْرِطَةِ خَاطَرَ بِقَلْبِهِ وَمِزَاجِهِ وَدِينِهِ وَرُبَّمَا زَالَ عَقْلُهُ وَمَرِضَ جِسْمُهُ وَذَهَبَ دِينُهُ. وإن سَلَكَ طَرِيقَ الْوَلَهِ وَالِاخْتِلَاطِ بِتَرْكِ الشَّهَوَاتِ لِيَتَّصِلَ بِالْأَرْوَاحِ الْجِنِّيَّةِ وَتَغِيبَ النُّفُوسُ عَنْ أَجْسَامِهَا - كَمَا يَفْعَلُهُ مُوَلِّهُو الْأَحْمَدِيَّةِ - فَقَدْ أَزَالَ عَقْلَهُ وَأَذْهَبَ مَالَهُ وَمَعِيشَتَهُ وَأَشْقَى نَفْسَهُ شَقَاءً لَا مَزِيدَ عَلَيْهِ وَعَرَّضَ نَفْسَهُ لِعَذَابِ اللَّهِ فِي الْآخِرَةِ لِمَا تَرَكَهُ مِنْ الْوَاجِبَاتِ وَمَا فَعَلَهُ مِنْ الْمُحَرَّمَاتِ وَكَذَلِكَ إنْ قَصَدَ تَسْخِيرَ الْجِنِّ بِالْأَسْمَاءِ وَالْكَلِمَاتِ مِنْ الْأَقْسَامِ وَالْعَزَائِمِ فَقَدْ عَرَّضَ نَفْسَهُ لِعُقُوبَتِهِمْ