للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَأَمَّا الْأَوْتَادُ فَقَدْ يُوجَدُ فِي كَلَامِ الْبَعْضِ أَنَّهُ يَقُولُ: فُلَانٌ مِنْ الْأَوْتَادِ يَعْنِي بِذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يُثَبِّتُ بِهِ الْإِيمَانَ وَالدِّينَ فِي قُلُوبِ مَنْ يَهْدِيهِمْ اللَّهُ بِهِ كَمَا يُثَبِّتُ الْأَرْضَ بِأَوْتَادِهَا وَهَذَا الْمَعْنَى ثَابِتٌ لِكُلِّ مَنْ كَانَ بِهَذِهِ الصِّفَةِ مِنْ الْعُلَمَاءِ فَكُلُّ مَنْ حَصَلَ بِهِ تَثْبِيتُ الْعِلْمِ وَالْإِيمَانِ فِي جُمْهُورِ النَّاسِ كَانَ بِمَنْزِلَةِ الْأَوْتَادِ الْعَظِيمَةِ وَالْجِبَالِ الْكَبِيرَةِ وَمَنْ كَانَ بِدُونِهِ كَانَ بِحَسَبِهِ وَلَيْسَ ذَلِكَ مَحْصُورًا فِي أَرْبَعَةٍ وَلَا أَقَلَّ وَلَا أَكْثَرَ بَلْ جَعَلَ هَؤُلَاءِ أَرْبَعَةً مُضَاهَاةً بِقَوْلِ الْمُنَجِّمِينَ فِي أَوْتَادِ الْأَرْضِ.

وَأَمَّا الْقُطْبُ فَيُوجَدُ أَيْضًا فِي كَلَامِهِمْ فُلَانٌ مِنْ الْأَقْطَابِ أَوْ فُلَانٌ قُطْبٌ فَكُلُّ مَنْ دَارَ عَلَيْهِ أَمْرٌ مِنْ أُمُورِ الدِّينِ أَوْ الدُّنْيَا بَاطِنًا أَوْ ظَاهِرًا فَهُوَ قُطْبُ ذَلِكَ الْأَمْر وَمَدَارُهُ سَوَاءٌ كَانَ الدَّائِرُ عَلَيْهِ أَمْرَ دَارِهِ أَوْ دَرْبِهِ أَوْ قَرْيَتِهِ أَوْ مَدِينَتِهِ أَمْرَ دِينِهَا أَوْ دُنْيَاهَا بَاطِنًا أَوْ ظَاهِرًا وَلَا اخْتِصَاصَ لِهَذَا الْمَعْنَى بِسَبْعَةٍ وَلَا أَقَلَّ وَلَا أَكْثَرَ؛ لَكِنَّ الْمَمْدُوحَ مِنْ ذَلِكَ مَنْ كَانَ مَدَارًا لِصَلَاحِ الدُّنْيَا وَالدِّينِ دُونَ مُجَرَّدِ صَلَاحِ الدُّنْيَا؛ فَهَذَا هُوَ الْقُطْبُ فِي عُرْفِهِمْ فَقَدْ يَتَّفِقُ فِي بَعْضِ الْأَعْصَارِ أَنْ يَكُونَ شَخْصٌ أَفْضَلَ أَهْلِ عَصْرِهِ وَقَدْ يَتَّفِقُ فِي عَصْرٍ آخَرَ أَنْ يَتَكَافَأَ اثْنَانِ أَوْ ثَلَاثَةٌ فِي الْفَضْلِ عِنْدَ اللَّهِ سَوَاءٌ وَلَا يَجِبُ أَنْ يَكُونَ فِي كُلِّ زَمَانٍ شَخْصٌ وَاحِدٌ هُوَ أَفْضَلُ الْخَلْقِ عِنْدَ اللَّهِ مُطْلَقًا.