للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الْمُتَأَخِّرِينَ رَأَوْا ذَلِكَ وَاسْتَحَبُّوهُ وَقَدْ اسْتَدَلَّ بَعْضُهُمْ بِأَنَّ {النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَلْبَسَ أُمَّ خَالِدِ بِنْتَ خَالِدِ بْنِ سَعِيدِ بْنِ العاص ثَوْبًا وَقَالَ لَهَا: سِنًّا} وَالسِّنَّا بِلِسَانِ الْحَبَشَةِ الْحَسَنُ. وَكَانَتْ قَدْ وَلَدَتْ بِأَرْضِ الْحَبَشَةِ فَلِهَذَا خَاطَبَهَا بِذَلِكَ اللِّسَانِ وَاسْتَدَلُّوا أَيْضًا بِحَدِيثِ {الْبُرْدَةِ الَّتِي نَسَجَتْهَا امْرَأَةٌ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسَأَلَهُ إيَّاهَا بَعْضُ الصَّحَابَةِ فَأَعْطَاهُ إيَّاهَا وَقَالَ: أَرَدْت أَنْ تَكُونَ كَفَنًا لِي} . وَلَيْسَ فِي هَذَيْنِ الْحَدِيثَيْنِ دَلِيلٌ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي يَفْعَلُونَهُ. فَإِنَّ إعْطَاءَ الرَّجُلِ لِغَيْرِهِ مَا يَلْبَسُهُ كَإِعْطَائِهِ إيَّاهُ مَا يَنْفَعُهُ وَأَخْذُ ثَوْبٍ مِنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى وَجْهِ الْبَرَكَةِ كَأَخْذِ شَعَرِهِ عَلَى وَجْهِ الْبَرَكَةِ وَلَيْسَ هَذَا كَلِبَاسِ ثَوْبٍ أَوْ قَلَنْسُوَةٍ عَلَى وَجْهِ الْمُتَابَعَةِ وَالِاقْتِدَاءِ؛ وَلَكِنْ يُشْبِهُ مِنْ بَعْضِ الْوُجُوهِ خُلَعُ الْمُلُوكِ الَّتِي يَخْلَعُونَهَا عَلَى مَنْ يُوَلُّونَهُ كَأَنَّهَا شِعَارٌ وَعَلَامَةٌ عَلَى الْوِلَايَةِ وَالْكَرَامَةِ؛ وَلِهَذَا يُسَمُّونَهَا تَشْرِيفًا. وَهَذَا وَنَحْوُهُ غَايَتُهُ أَنْ يُجْعَلَ مِنْ جِنْسِ الْمُبَاحَاتِ؛ فَإِنْ اقْتَرَنَ بِهِ نِيَّةٌ صَالِحَةٌ كَانَ حَسَنًا مِنْ هَذِهِ الْجِهَةِ وَأَمَّا جَعْلُ ذَلِكَ سُنَّةً وَطَرِيقًا إلَى اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى فَلَيْسَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ. وَأَمَّا انْتِسَابُ الطَّائِفَةِ إلَى شَيْخٍ مُعَيَّنٍ: فَلَا رَيْبَ أَنَّ النَّاسَ يَحْتَاجُونَ مَنْ يَتَلَقَّوْنَ عَنْهُ الْإِيمَانَ وَالْقُرْآنَ. كَمَا تَلَقَّى الصَّحَابَةُ ذَلِكَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَتَلَقَّاهُ عَنْهُمْ التَّابِعُونَ؛ وَبِذَلِكَ يَحْصُلُ اتِّبَاعُ السَّابِقِينَ