للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فَبِهَذَا الْقَدْرِ نَقُولُ: إنَّ الْعِنَايَةَ الْإِلَهِيَّةَ سَبَقَتْ لِهَذَا الْعَبْدِ بِهَذِهِ الْمُسَاوَاةِ فِي إفَادَتِهَا الْعِلْمَ وَمِنْ هُنَا يَقُولُ اللَّهُ: {حَتَّى نَعْلَمَ} وَهِيَ كَلِمَةٌ مُحَقِّقَةُ الْمَعْنَى مَا هِيَ كَمَا يَتَوَهَّمُ مَنْ لَيْسَ لَهُ هَذَا الْمَشْرَبُ وَغَايَةُ الْمُنَزِّهِ أَنْ يَجْعَلَ ذَلِكَ الْحُدُوثَ فِي الْعِلْمِ لِلتَّعَلُّقِ وَهُوَ أَعْلَى وَجْهٍ يَكُونُ لِلْمُتَكَلِّمِ يَعْقِلُهُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ لَوْلَا أَنَّهُ أَثْبَتَ الْعِلْمَ زَائِدًا عَلَى الذَّاتِ فَجَعَلَ التَّعَلُّقَ لَهُ لَا لِلذَّاتِ وَبِهَذَا انْفَصَلَ عَنْ الْمُحَقِّقِ مِنْ أَهْلِ اللَّهِ صَاحِبِ الْكَشْفِ وَالشُّهُودِ. ثُمَّ نَرْجِعُ إلَى الْأُعْطِيَّاتِ فَنَقُولُ: إنْ الْأُعْطِيَّاتِ إمَّا ذَاتِيَّةٌ أَوْ أسمائية فَأَمَّا الْمِنَحُ وَالْهِبَاتُ وَالْعَطَايَا الذَّاتِيَّةُ فَلَا تَكُونُ أَبَدًا إلَّا عَنْ تَجَلٍّ إلَهِيٍّ وَالتَّجَلِّي مِنْ الذَّاتِ لَا يَكُونُ أَبَدًا إلَّا لِصُورَةِ اسْتِعْدَادِ الْعَبْدِ الْمُتَجَلَّى لَهُ وَغَيْرُ ذَلِكَ لَا يَكُونُ فَإِذَنْ الْمُتَجَلَّى لَهُ مَا رَأَى سِوَى صُورَتِهِ فِي مِرْآةِ الْحَقِّ وَمَا رَأَى الْحَقَّ وَلَا يُمْكِنُ أَنْ يَرَاهُ مَعَ عِلْمِهِ أَنَّهُ مَا رَأَى صُورَتَهُ إلَّا فِيهِ كَالْمِرْآةِ فِي الشَّاهِدِ إذَا رَأَيْت الصُّوَرَ فِيهَا لَا تَرَاهَا مَعَ عِلْمِك أَنَّك مَا رَأَيْت الصُّوَرَ أَوْ صُورَتَك إلَّا فِيهَا. فَأَبْرَزَ اللَّهُ ذَلِكَ مِثَالًا نَصَبَهُ لِتَجَلِّيهِ الذَّاتِيِّ لِيَعْلَمَ الْمُتَجَلَّى لَهُ أَنَّهُ مَا رَآهُ وَمَا ثَمَّ مِثَالٌ أَقْرَبُ وَلَا أَشْبَهُ بِالرُّؤْيَةِ وَالتَّجَلِّي مِنْ هَذَا وَأَجْهِدْ فِي نَفْسِك عِنْدَ مَا تَرَى الصُّورَةَ فِي الْمِرْآةِ أَنْ تَرَى جِرْمَ الْمِرْآةِ لَا تَرَاهُ أَبَدًا أَلْبَتَّةَ حَتَّى أَنَّ بَعْضَ مَنْ أَدْرَكَ مِثْلَ هَذَا فِي صُورَةِ الْمَرْئِيِّ: ذَهَبَ إلَى أَنَّ الصُّورَةَ الْمَرْئِيَّةَ بَيْنَ بَصَرِ الرَّائِي وَبَيْنَ الْمِرْآةِ هَذَا أَعْظَمُ مَا قَدَرَ عَلَيْهِ مِنْ الْعِلْمِ وَالْأَمْرِ كَمَا قُلْنَاهُ وَذَهَبْنَا إلَيْهِ. وَقَدْ بَيَّنَّا هَذَا فِي الْفُتُوحَاتِ الْمَكِّيَّةِ وَإِذَا ذُقْت هَذَا: ذُقْت الْغَايَةَ الَّتِي لَيْسَ