للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

سَائِرُ الْأَسْمَاءِ وَالْحُرُوفِ إنَّمَا يُوجَدُ نَظِيرُهَا فِي كَلَامِ الْعِبَادِ لَا فِي كَلَامِ اللَّهِ. وَقَوْلُنَا يُوجَدُ نَظِيرُهَا فِي كَلَامِ اللَّهِ تَقْرِيبٌ أَيْ يُوجَدُ فِيمَا نَقْرَؤُهُ وَنَتْلُوهُ فَإِنَّ الصَّوْتَ الْمَسْمُوعَ مِنْ لَفْظِ مُحَمَّدٌ وَيَحْيَى وَإِبْرَاهِيمُ فِي الْقُرْآنِ هُوَ مِثْلُ الصَّوْتِ الْمَسْمُوعِ مِنْ ذَلِكَ فِي غَيْرِ الْقُرْآنِ وَكِلَا الصَّوْتَيْنِ مَخْلُوقٌ. وَأَمَّا الصَّوْتُ الَّذِي يَتَكَلَّمُ اللَّهُ بِهِ فَلَا مِثْلَ لَهُ لَا يُمَاثِلُ صِفَاتِ الْمَخْلُوقِينَ وَكَلَامُ اللَّهِ هُوَ كَلَامُهُ بِنَظْمِهِ وَنَثْرِهِ وَمَعَانِيهِ. وَذَلِكَ الْكَلَامُ لَيْسَ مِثْلَ كَلَامِ الْمَخْلُوقِينَ. فَإِذَا قُلْنَا: {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} وَقُصِدَ بِذَلِكَ قِرَاءَةُ الْقُرْآنِ الَّذِي تَكَلَّمَ اللَّهُ بِهِ فَذَلِكَ الْقُرْآنُ تَكَلَّمَ اللَّهُ بِلَفْظِهِ وَمَعْنَاهُ لَا يُمَاثِلُ لَفْظَ الْمَخْلُوقِينَ وَمَعْنَاهُمْ وَأَمَّا إذَا قَصَدْنَا بِهِ الذِّكْرَ ابْتِدَاءً مِنْ غَيْرِ أَنْ نَقْصِدَ قِرَاءَةَ كَلَامِ اللَّهِ فَإِنَّمَا نَقْصِدُ ذِكْرًا نُنْشِئُهُ نَحْنُ يَقُومُ مَعْنَاهُ بِقُلُوبِنَا وَنَنْطِقُ بِلَفْظِهِ بِأَلْسِنَتِنَا وَمَا أَنْشَأْنَاهُ مِنْ الذِّكْرِ فَلَيْسَ هُوَ مِنْ الْقُرْآنِ وَإِنْ كَانَ نَظِيرُهُ فِي الْقُرْآنِ. وَلِهَذَا قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ: " {أَفْضَلُ الْكَلَامِ بَعْدَ الْقُرْآنِ أَرْبَعٌ وَهُنَّ مِنْ الْقُرْآنِ: سُبْحَانَ اللَّهِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ وَلَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَاَللَّهُ أَكْبَرُ} فَجَعَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَذِهِ الْكَلِمَاتِ أَفْضَلَ الْكَلَامِ بَعْدَ الْقُرْآنِ فَجَعَلَ دَرَجَتَهَا دُونَ دَرَجَةِ الْقُرْآنِ وَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ الْقُرْآنِ. ثُمَّ قَالَ: " {هِيَ مِنْ الْقُرْآنِ} وَكِلَا قَوْلَيْهِ حَقٌّ وَصَوَابٌ؛ وَلِهَذَا مَنَعَ أَحْمَد أَنْ يُقَالَ: الْإِيمَانُ مَخْلُوقٌ.