للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَقِيلَ لَهُ: سَمِعْت أَحَدًا يَقُولُ الْقُرْآنُ مَخْلُوقٌ؟ فَقَالَ: هَؤُلَاءِ الزَّنَادِقَةُ. قَالَ: وَقَالَ أَبُو الْوَلِيدِ سَمِعْت يَحْيَى بْنَ سَعِيدٍ - وَذَكَرَ لَهُ أَنَّ قَوْمًا يَقُولُونَ الْقُرْآنُ مَخْلُوقٌ - فَقَالَ كَيْفَ يَصْنَعُونَ بِ {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} كَيْفَ يَصْنَعُونَ بِقَوْلِهِ: {إنَّنِي أَنَا اللَّهُ لَا إلَهَ إلَّا أَنَا} ؟ قَالَ: وَقَالَ أَبُو عُبَيْدٍ الْقَاسِمُ بْنُ سلام نَظَرْت فِي كَلَامِ الْيَهُودِ وَالْمَجُوسِ فَمَا رَأَيْت قَوْمًا أَضَلُّ فِي كُفْرِهِمْ مِنْهُمْ وَإِنِّي لأستجهل مَنْ لَا يُكَفِّرُهُمْ إلَّا مَنْ لَا يَعْرِفُ كُفْرَهُمْ. قَالَ: وَقَالَ سُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُد الْهَاشِمِيُّ: مَنْ قَالَ الْقُرْآنُ مَخْلُوقٌ فَهُوَ كَافِرٌ وَإِنْ كَانَ الْقُرْآنُ مَخْلُوقًا كَمَا زَعَمُوا فَلِمَ صَارَ فِرْعَوْنُ أَوْلَى بِأَنْ يُخَلَّدَ فِي النَّارِ إذْ قَالَ {أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى} ؟ وَزَعَمُوا أَنَّ هَذَا مَخْلُوقٌ وَاَلَّذِي قَالَ: {إنَّنِي أَنَا اللَّهُ لَا إلَهَ إلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي} هَذَا أَيْضًا قَدْ ادَّعَى مَا ادَّعَى فِرْعَوْنُ فَلِمَ صَارَ فِرْعَوْنُ أَوْلَى أَنْ يُخَلَّدَ فِي النَّارِ مِنْ هَذَا؟ وَكِلَاهُمَا عِنْدَهُ مَخْلُوقٌ. فَأُخْبِرَ بِذَلِكَ أَبُو عُبَيْدٍ فَاسْتَحْسَنَهُ وَأَعْجَبَهُ. وَمَعْنَى كَلَامِ هَؤُلَاءِ السَّلَفِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَنَّ مَنْ قَالَ إنَّ كَلَامَ اللَّهِ مَخْلُوقٌ خَلَقَهُ فِي الشَّجَرَةِ أَوْ غَيْرِهَا - كَمَا قَالَ هَذَا الجهمي الْمُعْتَزِلِيُّ الْمَسْئُولُ عَنْهُ - كَانَ حَقِيقَةُ قَوْلِهِ: إنَّ الشَّجَرَةَ هِيَ الَّتِي قَالَتْ لِمُوسَى {إنَّنِي أَنَا اللَّهُ لَا إلَهَ إلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي} وَمَنْ قَالَ: هَذَا مَخْلُوقٌ قَالَ ذَلِكَ فَهَذَا الْمَخْلُوقُ عِنْدَهُ كَفِرْعَوْنَ الَّذِي قَالَ: {أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى} كِلَاهُمَا مَخْلُوقٌ وَكِلَاهُمَا قَالَ ذَلِكَ. فَإِنْ كَانَ قَوْلُ فِرْعَوْنَ كُفْرًا فَقَوْلُ هَؤُلَاءِ أَيْضًا كُفْرٌ.