للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَهُنَا ذَكَرَ أَنَّهُ نَزَّلَ الْكِتَابَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ مُتَفَرِّقًا وَأَنَّهُ أَنْزَلَ التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ وَذَكَرَ أَنَّهُ أَنْزَلَ الْفُرْقَانَ وَقَدْ أَنْزَلَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى الْإِيمَانَ فِي الْقُلُوبِ وَأَنْزَلَ الْمِيزَانَ وَالْإِيمَانَ. وَ " الْمِيزَانُ " مِمَّا يَحْصُلُ بِهِ الْفُرْقَانُ أَيْضًا كَمَا يَحْصُلُ بِالْقُرْآنِ وَإِذَا أَنْزَلَ الْقُرْآنَ حَصَلَ بِهِ الْإِيمَانُ وَالْفُرْقَانُ وَنَظِيرُ هَذَا قَوْلُهُ: {وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى وَهَارُونَ الْفُرْقَانَ وَضِيَاءً وَذِكْرًا} قِيلَ: الْفُرْقَانُ هُوَ التَّوْرَاةُ وَقِيلَ هُوَ الْحُكْمُ بِنَصْرِهِ عَلَى فِرْعَوْنَ كَمَا فِي قَوْلِهِ: {إنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللَّهِ وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَى عَبْدِنَا يَوْمَ الْفُرْقَانِ} . وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ: {قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ} قِيلَ: " النُّورُ " هُوَ مُحَمَّدٌ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ وَقِيلَ: هُوَ الْإِسْلَامُ. وَقَوْلُهُ: {قَدْ جَاءَكُمْ بُرْهَانٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَأَنْزَلْنَا إلَيْكُمْ نُورًا مُبِينًا} قِيلَ: " الْبُرْهَانُ " هُوَ مُحَمَّدٌ وَقِيلَ هُوَ الْحُجَّةُ وَالدَّلِيلُ. وَقِيلَ: الْقُرْآنُ وَالْحُجَّةُ وَالدَّلِيلُ تَتَنَاوَلُ الْآيَاتِ الَّتِي بُعِثَ بِهَا مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَكِنَّهُ هُنَاكَ جَاءَ بِلَفْظِ آتَيْنَا وَجَاءَكُمْ. وَهُنَا قَالَ: {وَأَنْزَلَ الْفُرْقَانَ} جَاءَ بِلَفْظِ الْإِنْزَالِ؛ فَلِهَذَا شَاعَ بَيْنَهُمْ أَنَّ الْقُرْآنَ وَالْبُرْهَانَ يَحْصُلُ بِالْعِلْمِ وَالْبَيَانِ كَمَا حَصَلَ بِالْقُرْآنِ وَيَحْصُلُ بِالنَّظَرِ وَالتَّمْيِيزِ بَيْنَ أَهْلِ الْحَقِّ وَالْبَاطِلِ بِأَنْ يُنَجِّيَ هَؤُلَاءِ وَيَنْصُرَهُمْ وَيُعَذِّبَ هَؤُلَاءِ فَيَكُونُ قَدْ فَرَّقَ بَيْنَ الطَّائِفَتَيْنِ كَمَا يُفَرِّقُ الْمُفَرِّقُ بَيْنَ أَوْلِيَاءِ اللَّهِ وَأَعْدَائِهِ بِالْإِحْسَانِ إلَى هَؤُلَاءِ وَعُقُوبَةِ هَؤُلَاءِ.