للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَبَعْضُهُ فِي الْمَدِينَةِ فَصَارَ مُقْتَصِدُوهُمْ وَجُمْهُورُهُمْ يُقِرُّونَ بِالْقَدْرِ السَّابِقِ وَبِالْكِتَابِ الْمُتَقَدِّمِ وَصَارَ نِزَاعُ النَّاسِ فِي " الْإِرَادَةِ " و " خَلْقِ أَفْعَالِ الْعِبَادِ " فَصَارُوا فِي ذَلِكَ حِزْبَيْنِ: " الْنُّفَاةِ " يَقُولُونَ: لَا إرَادَةَ إلَّا بِمَعْنَى الْمَشِيئَةِ وَهُوَ لَمْ يُرِدْ إلَّا مَا أَمَرَ بِهِ وَلَمْ يَخْلُقْ شَيْئًا مِنْ أَفْعَالِ الْعِبَادِ. وَقَابَلَهُمْ الْخَائِضُونَ فِي الْقَدَرِ مِنْ " الْمُجَبِّرَةِ " مِثْلُ الْجَهْمِ بْنِ صَفْوَانَ وَأَمْثَالِهِ فَقَالُوا: لَيْسَتْ الْإِرَادَةُ إلَّا بِمَعْنَى الْمَشِيئَةِ وَالْأَمْرِ وَالنَّهْيِ لَا يَسْتَلْزِمُ إرَادَةً وَقَالُوا: الْعَبْدُ لَا فِعْلَ لَهُ أَلْبَتَّةَ وَلَا قُدْرَةَ بَلْ اللَّهُ هُوَ الْفَاعِلُ الْقَادِرُ فَقَطْ وَكَانَ جَهْمٌ مَعَ ذَلِكَ يَنْفِي الْأَسْمَاءَ وَالصِّفَاتِ يُذْكَرُ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ لَا يُسَمَّى اللَّهُ شَيْئًا وَلَا غَيْرَ ذَلِكَ مِنْ الْأَسْمَاءِ الَّتِي تَسَمَّى بِهَا الْعِبَادُ إلَّا الْقَادِرَ فَقَطْ؛ لِأَنَّ الْعَبْدَ لَيْسَ بِقَادِرِ.

وَكَانَتْ " الْخَوَارِجُ " قَدْ تَكَلَّمُوا فِي تَكْفِيرِ أَهْلِ الذُّنُوبِ مِنْ أَهْلِ الْقِبْلَةِ وَقَالُوا: إنَّهُمْ كُفَّارٌ مُخَلَّدُونَ فِي النَّارِ فَخَاضَ النَّاسُ فِي ذَلِكَ وَخَاضَ فِي ذَلِكَ الْقَدَرِيَّةُ بَعْدَ مَوْتِ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ فَقَالَ عَمْرُو بْنُ عُبَيْدٍ وَأَصْحَابُهُ: لَا هُمْ مُسْلِمُونَ وَلَا كُفَّارٌ؛ بَلْ لَهُمْ مَنْزِلَةٌ بَيْنَ الْمَنْزِلَتَيْنِ وَهُمْ مُخَلَّدُونَ فِي النَّارِ فَوَافَقُوا الْخَوَارِجَ عَلَى أَنَّهُمْ مُخَلَّدُونَ وَعَلَى أَنَّهُ لَيْسَ مَعَهُمْ مِنْ الْإِسْلَامِ وَالْإِيمَانِ شَيْءٌ وَلَكِنْ لَمْ يُسَمُّوهُمْ كُفَّارًا وَاعْتَزَلُوا