للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الْأَمْرِ يَسْتَلْزِمُ أَنَّهُ مَا ثَمَّ قَدِيمٌ وَلَا وَاجِبٌ وَلَكِنْ ظَنُّوا أَنَّهُمْ أَثْبَتُوا الْقَدِيمَ وَالْوَاجِبَ وَهَذَا الَّذِي أَثْبَتُوهُ هُوَ مُمْتَنِعٌ فَمَا أَثْبَتُوا قَدِيمًا وَلَا وَاجِبًا. فَجَاءَ آخَرُونَ مِنْ جهميتهم فَرَأَوْا هَذَا مُكَابَرَةً وَلَا بُدَّ مِنْ إثْبَاتِ الْقَدِيمِ وَالْوَاجِبِ فَقَالُوا: هُوَ هَذَا الْعَالَمُ فَكَانَ قُدَمَاءُ الْجَهْمِيَّة يَقُولُونَ: إنَّهُ بِذَاتِهِ فِي كُلِّ مَكَانٍ وَهَؤُلَاءِ قَالُوا: هُوَ عَيْنُ الْمَوْجُودَاتِ وَالْمَوْجُودُ الْقَدِيمُ الْوَاجِبُ هُوَ نَفْسُ الْمَوْجُودِ الْمُحْدَثِ الْمُمْكِنِ وَالْحُلُولُ هُوَ الَّذِي أَظَهَرَتْهُ الْجَهْمِيَّة لِلنَّاسِ حَتَّى عَرَفَهُ السَّلَفُ وَالْأَئِمَّةُ وَرَدُّوهُ وَأَمَّا حَقِيقَةُ قَوْلِهِمْ فَهُوَ النَّفْيُ أَنَّهُ لَا دَاخِلَ الْعَالَمِ وَلَا خَارِجَهُ وَلَكِنَّ هَذَا لَمْ تَسْمَعْهُ الْأَئِمَّةُ وَلَمْ يَعْرِفُوا أَنَّهُ قَوْلُهُمْ إلَّا مِنْ بَاطِنِهِمْ؛ وَلِهَذَا كَانَ الْأَئِمَّةُ يَحْكُونَ عَنْ الْجَهْمِيَّة أَنَّهُ فِي كُلِّ مَكَانٍ وَيَحْكُونَ عَنْهُمْ وَصْفَهُ بِالصِّفَاتِ السَّلْبِيَّةِ وَشَاعَ عِنْدَ النَّاسِ أَنَّ الْجَهْمِيَّة يَصِفُونَهُ بِالسُّلُوبِ حَتَّى قَالَ أَبُو تَمَّامٍ: جهمية الْأَوْصَافِ إلَّا أَنَّهَا قَدْ حُلِّيَتْ بِمَحَاسِنِ الْأَشْيَاءِ وَهُمْ لَمْ يَقْصِدُوا نَفْيَ الْقَدِيمِ وَالْوَاجِبِ فَإِنَّ هَذَا لَا يَقْصِدُهُ أَحَدٌ مِنْ الْعُقَلَاءِ لَا مُسْلِمٌ وَلَا كَافِرٌ؛ إذْ كَانَ خِلَافَ مَا يَعْلَمُهُ كُلُّ أَحَدٍ بِبَدِيهَةِ عَقْلِهِ فَإِنَّهُ إذَا قُدِّرَ أَنَّ جَمِيعَ الْمَوْجُودَاتِ حَادِثَةٌ عَنْ عَدَمٍ لَزِمَ أَنَّ كُلَّ الْمَوْجُودَاتِ حَدَثَتْ بِأَنْفُسِهَا وَمِنْ الْمَعْلُومِ بِبَدَاهَةِ الْعُقُولِ أَنَّ الْحَادِثَ