للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

لِمَا جَاءَتْ بِهِ الرُّسُلُ مِنْ قَوْلِ الْنُّفَاةِ وَلِهَذَا لَمْ يَكُنْ هَؤُلَاءِ مُظْهِرِينَ لِهَذَا فِي زَمَنِ السَّلَفِ؛ بَلْ كُلَّمَا ضَعُفَ نُورُ النُّبُوَّةِ أَظْهَرُوا حَقِيقَةَ قَوْلِهِمْ فَإِنَّهُ مِنْ جِنْسِ قَوْلِ الْمُشْرِكِينَ الْمُكَذِّبِينَ لِلرُّسُلِ وَمُنْتَهَاهُمْ الشِّرْكُ وَتَكْذِيبُ الرُّسُلِ وَهَذَا جِمَاعُ الْكُفْرِ كَمَا أَنَّ التَّوْحِيدَ وَتَصْدِيقَ الرُّسُلِ جِمَاعُ الْإِيمَانِ وَلِهَذَا صَارُوا مَعَ أَهْلِ الْكُفْرِ الْمَحْضِ مِنْ الْمُشْرِكِينَ وَأَهْلِ الْكِتَابِ وَبَسْطُ هَذِهِ الْأُمُورِ لَهُ مَوْضِعٌ آخَرُ. وَالْمَقْصُودُ هُنَا أَنَّ " الْقَدَرِيَّةَ الْمُجَبِّرَةَ " مِنْ جِنْسِ الْمُشْرِكِينَ كَمَا أَنَّ " النَّافِيَةَ " مِنْ جِنْسِ الْمَجُوسِ وَأَنَّ الْمُجَبِّرَةَ مَا عِنْدَهُمْ سِوَى الْقُدْرَةِ وَالْمَشِيئَةِ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ وَالنَّافِيَةُ تَنْفِي الْقُدْرَةَ الْعَامَّةَ وَالْمَشِيئَةَ التَّامَّةَ وَتَزْعُمُ أَنَّهَا تُثْبِتُ الْحِكْمَةَ وَالْعَدْلَ وَفِي الْحَقِيقَةِ كِلَاهُمَا نَافٍ لِلْحِكْمَةِ وَالْعَدْلِ وَالْمَشِيئَةِ وَالْقُدْرَةِ كَمَا قَدْ بُسِطَ فِي مَوَاضِعَ. وَأُولَئِكَ يَتَعَلَّقُونَ بِقَوْلِهِ: {لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ} و {اللَّهُ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ} وَهَذَا ذَكَرَهُ اللَّهُ إثْبَاتًا لِقُدْرَتِهِ لَا نَفْيًا لِحِكْمَتِهِ وَعَدْلِهِ؛ بَلْ بَيَّنَ سُبْحَانَهُ أَنَّهُ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ فَلَا أَحَدَ يُمْكِنُهُ أَنْ يُعَارِضَهُ إذَا شَاءَ شَيْئًا بَلْ هُوَ قَادِرٌ عَلَى فِعْلِ مَا يَشَاءُ؛ بِخِلَافِ الْمَخْلُوقِ الَّذِي يَشَاءُ أَشْيَاءَ كَثِيرَةً وَلَا يُمْكِنُهُ أَنْ يَفْعَلَهَا؛ وَلِهَذَا قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ: {لَا يَقُولَن أَحَدُكُمْ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي إنْ شِئْت اللَّهُمَّ ارْحَمْنِي إنْ شِئْت؛ فَإِنَّ اللَّهَ لَا مُكْرِهَ لَهُ وَلَكِنْ لِيَعْزِمْ الْمَسْأَلَةَ}