للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَإِنْ كَانَتْ أَقْوَالًا فَالْقَلْبُ أَخَصُّ بِهَا فَلَا بُدَّ أَنْ يَعْلَمَ الْقَلْبُ وُجُودَ مَا يَقُولُهُ أَوْ بِمَا يَقُولُ وَيَقْصِدُهُ.

وَلِهَذَا كَانَتْ الْأَقْوَالُ فِي الشَّرْعِ لَا تُعْتَبَرُ إلَّا مِنْ عَاقِلٍ يَعْلَمُ مَا يَقُولُ وَيَقْصِدُهُ فَأَمَّا الْمَجْنُونُ وَالطِّفْلُ الَّذِي لَا يُمَيِّزُ فَأَقْوَالُهُ كُلُّهَا لَغْوٌ فِي الشَّرْعِ لَا يَصِحُّ مِنْهُ إيمَانٌ وَلَا كُفْرٌ وَلَا عَقْدٌ مِنْ الْعُقُودِ وَلَا شَيْءٌ مِنْ الْأَقْوَالِ بِاتِّفَاقِ الْمُسْلِمِينَ وَكَذَلِكَ النَّائِمُ إذَا تَكَلَّمَ فِي مَنَامِهِ فَأَقْوَالُهُ كُلُّهَا لَغْوٌ سَوَاءٌ تَكَلَّمَ الْمَجْنُونُ وَالنَّائِمُ بِطَلَاقِ أَوْ كُفْرٍ أَوْ غَيْرِهِ وَهَذَا بِخِلَافِ الطِّفْلِ؛ فَإِنَّ الْمَجْنُونَ وَالنَّائِمَ إذَا أَتْلَفَ مَالًا ضَمِنَهُ وَلَوْ قَتَلَ نَفْسًا وَجَبْت دِيَتُهَا كَمَا تَجِبُ دِيَةُ الْخَطَأِ. وَتَنَازَعَ الْعُلَمَاءُ فِي السَّكْرَانِ مَعَ اتِّفَاقِهِمْ أَنَّهُ لَا تَصِحُّ صَلَاتُهُ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {مُرُوهُمْ بِالصَّلَاةِ لِسَبْعِ وَاضْرِبُوهُمْ عَلَيْهَا لِعَشْرِ وَفَرِّقُوا بَيْنَهُمْ فِي الْمَضَاجِعِ} وَهُوَ مَعْرُوفٌ فِي السُّنَنِ. وَتَنَازَعُوا فِي عُقُودِ السَّكْرَانِ كَطَلَاقِهِ وَفِي أَفْعَالِهِ الْمُحَرَّمَةِ كَالْقَتْلِ وَالزِّنَا هَلْ يُجْرَى مَجْرَى الْعَاقِلِ أَوْ مَجْرَى الْمَجْنُونِ أَوْ يُفَرَّقُ بَيْنَ أَقْوَالِهِ وَأَفْعَالِهِ وَبَيْنَ بَعْضِ ذَلِكَ وَبَعْضٍ؟ عَلَى عِدَّةِ أَقْوَالٍ مَعْرُوفَةٍ. وَاَلَّذِي تَدُلُّ عَلَيْهِ النُّصُوصُ وَالْأُصُولُ وَأَقْوَالُ الصَّحَابَةِ: أَنَّ أَقْوَالَهُ هَدَرٌ - كَالْمَجْنُونِ - لَا يَقَعُ بِهَا طَلَاقٌ وَلَا غَيْرُهُ؛ فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَدْ قَالَ: