للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَكَانَ التلمساني قَدْ أَضَلَّ شَيْخًا زَاهِدًا عَابِدًا بِبَيْتِ الْمَقْدِسِ يُقَالُ لَهُ أَبُو يَعْقُوبَ الْمَغْرِبِيُّ الْمُبْتَلَى حَتَّى كَانَ يَقُولُ: الْوُجُودُ وَاحِدٌ وَهُوَ اللَّهُ وَلَا أَرَى الْوَاحِدَ وَلَا أَرَى اللَّهَ. وَيَقُولُ: نَطَقَ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ بثنوية الْوُجُودِ وَالْوُجُودُ وَاحِدٌ لَا ثنوية فِيهِ وَيَجْعَلُ هَذَا الْكَلَامَ لَهُ تَسْبِيحًا يَتْلُوهُ كَمَا يَتْلُو التَّسْبِيحَ.

وَأَمَّا قَوْلُ الشَّاعِرِ:

إذَا بَلَغَ الصَّبُّ الْكَمَالَ مِنْ الْهَوَى … وَغَابَ عَنْ الْمَذْكُورِ فِي سَطْوَةِ الذِّكْرِ

يُشَاهَدُ حَقًّا حِينَ يَشْهَدُهُ الْهَوَى … بِأَنَّ صَلَاةَ الْعَارِفِينَ مِنْ الْكُفْرِ

فَهَذَا الْكَلَامُ - مَعَ أَنَّهُ كُفْرٌ - هُوَ كَلَامُ جَاهِلٍ لَا يُتَصَوَّرُ مَا يَقُولُ فَإِنَّ الْفَنَاءَ وَالْغَيْبَ: هُوَ أَنْ يَغِيبَ بِالْمَذْكُورِ عَنْ الذِّكْرِ وَبِالْمَعْرُوفِ عَنْ الْمَعْرِفَةِ وَبِالْمَعْبُودِ عَنْ الْعِبَادَةِ؛ حَتَّى يَفْنَى مَنْ لَمْ يَكُنْ وَيَبْقَى مَنْ لَمْ يَزَلْ وَهَذَا مَقَامُ الْفَنَاءِ الَّذِي يَعْرِضُ لِكَثِيرِ مِنْ السَّالِكِينَ لِعَجْزِهِمْ عَنْ كَمَالِ الشُّهُودِ الْمُطَابِقِ لِلْحَقِيقَةِ؛ بِخِلَافِ الْفَنَاءِ الشَّرْعِيِّ فَمَضْمُونُهُ الْفَنَاءُ بِعِبَادَتِهِ عَنْ عِبَادَةِ مَا سِوَاهُ وَبِحُبِّهِ عَنْ حُبِّ مَا سِوَاهُ وَبِخَشْيَتِهِ عَنْ خَشْيَةِ مَا سِوَاهُ وَبِطَاعَتِهِ عَنْ طَاعَةِ مَا سِوَاهُ فَإِنَّ هَذَا تَحْقِيقُ التَّوْحِيدِ وَالْإِيمَانِ.

وَأَمَّا النَّوْعُ الثَّالِثُ مِنْ الْفَنَاءِ - وَهُوَ الْفَنَاءُ عَنْ وُجُودِ السِّوَى بِحَيْثُ يَرَى أَنَّ وُجُودَ الْخَالِقِ هُوَ وُجُودُ الْمَخْلُوقِ - فَهَذَا هُوَ قَوْلُ هَؤُلَاءِ الْمَلَاحِدَةِ أَهْلِ الْوَحْدَةِ.