للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

بَلْ كَانَتْ حَيَاتُهُ مِنْ جِنْسِ حَيَاةِ الْبَهَائِمِ. وَلَمْ يَكُنْ مَيِّتًا عَدِيمَ الْإِحْسَاسِ: كَانَ فِي الْآخِرَةِ كَذَلِكَ. فَإِنَّ مَقْصُودَ الْحَيَاةِ: هُوَ حُصُولُ مَا يَنْتَفِعُ بِهِ الْحَيُّ وَيَسْتَلِذُّ بِهِ وَالْحَيُّ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ لَذَّةٍ أَوْ أَلَمٍ. فَإِذَا لَمْ تَحْصُلْ لَهُ اللَّذَّةُ: لَمْ يَحْصُلْ لَهُ مَقْصُودُ الْحَيَاةِ فَإِنَّ الْأَلَمَ لَيْسَ مَقْصُودًا. كَمَنْ هُوَ حَيٌّ فِي الدُّنْيَا وَبِهِ أَمْرَاضٌ عَظِيمَةٌ لَا تَدَعُهُ يَتَنَعَّمُ بِشَيْءِ مِمَّا يَتَنَعَّمُ بِهِ الْأَحْيَاءُ. فَهَذَا يَبْقَى طُولَ حَيَاتِهِ يَخْتَارُ الْمَوْتَ وَلَا يَحْصُلُ لَهُ. فَلَمَّا كَانَ مِنْ طَبْعِ النَّفْسِ الْمُلَازِمِ لَهَا: وُجُودُ الْإِرَادَةِ وَالْعَمَلِ إذْ هُوَ حَارِثٌ هَمَّامٌ. فَإِنْ عَرَفَتْ الْحَقَّ وَأَرَادَتْهُ وَأَحَبَّتْهُ وَعَبَدَتْهُ: فَذَلِكَ مِنْ تَمَامِ إنْعَامِ اللَّهِ عَلَيْهَا. وَإِلَّا فَهِيَ بِطَبْعِهَا لَا بُدَّ لَهَا مِنْ مُرَادِ مَعْبُودٍ غَيْرِ اللَّهِ. وَمُرَادَاتٍ سَيِّئَةٍ تَضُرُّهَا. فَهَذَا الشَّرُّ قَدْ تَرَكَّبَ مِنْ كَوْنِهَا لَمْ تَعْرِفْ اللَّهَ وَلَمْ تَعْبُدْهُ. وَهَذَا عَدَمٌ لَا يُضَافُ إلَى فَاعِلٍ وَمِنْ كَوْنِهَا بِطَبْعِهَا لَا بُدَّ لَهَا مِنْ مُرَادٍ مَعْبُودٍ. فَعَبَدَتْ غَيْرَهُ. وَهَذَا هُوَ الشَّرُّ الَّذِي تُعَذَّبُ عَلَيْهِ. وَهُوَ مِنْ مُقْتَضَى طَبْعِهَا مَعَ عَدَمِ هُدَاهَا. وَالْقَدَرِيَّةُ يَعْتَرِفُونَ بِهَذَا جَمِيعِهِ. وَبِأَنَّ اللَّهَ خَلَقَ الْإِنْسَانَ مُرِيدًا. لَكِنْ يَجْعَلُونَ الْمَخْلُوقَ كَوْنَهُ مُرِيدًا بِالْقُوَّةِ وَالْقَبُولِ. أَيْ قَابِلًا لَأَنْ يُرِيدَ هَذَا وَهَذَا.