للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَأَمَّا تَفْضِيلُ الْأَشْخَاصِ فَقَدْ لَا يُحْتَاجُ إلَيْهِ فِي كُلِّ وَقْتٍ فَالدِّينُ الْوَاجِبُ لَا بُدَّ مِنْ تَفْضِيلِهِ؛ إذْ الْفَضْلُ يَدْخُلُ فِي الْوُجُوبِ وَإِذَا وَجَبَ الدِّينُ بِهِ دُونَ خِلَافِهِ فَلَأَنْ يَجِبَ اعْتِقَادُ فَضْلِهِ أَوْلَى. وَأَمَّا الدِّينُ الْمُسْتَحَبُّ فَقَدْ لَا يَشْرَعُ اعْتِقَادُ فِعْلِهِ إلَّا فِي حَقِّ مَنْ شُرِعَ لَهُ فِعْلُ ذَلِكَ الْمُسْتَحَبِّ وَإِلَّا فَمِنْ النَّاسِ مَنْ يَضُرُّهُ إذَا سَلَكَ سَبِيلًا مِنْ سُبُلِ السَّلَامِ الْإِسْلَامِيَّةِ أَنْ يَرَى غَيْرَهُ أَفْضَلَ مِنْهَا؛ لِأَنَّهُ يَتَشَوَّفُ إلَى الْأَفْضَلِ فَلَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ وَالْمَفْضُولُ يُعْرِضُ عَنْهُ. وَكَمَا أَنَّهُ لَيْسَ مِنْ مَصْلَحَتِهِ أَنْ يَعْرِفَ أَفْضَلَ مِنْ طَرِيقَتِهِ إذَا كَانَ يَتْرُكُ طَرِيقَتَهُ وَلَا يَسْلُكُ تِلْكَ فَلَيْسَ أَيْضًا مِنْ الْحَقِّ أَنْ يَعْتَقِدَ أَنَّ طَرِيقَتَهُ أَفْضَلُ مِنْ غَيْرِهَا؛ بَلْ مَصْلَحَتُهُ أَنْ يَسْلُكَ تِلْكَ الطَّرِيقَةَ الْمُفْضِيَةَ بِهِ إلَى رَحْمَةِ اللَّهِ تَعَالَى فَإِنَّ بَعْضَ الْمُتَفَقِّهَةِ يَدْعُونَ الرَّجُلَ إلَى مَا هُوَ أَفْضَلُ مِنْ طَرِيقَتِهِ عِنْدَهُمْ وَقَدْ يَكُونُونَ مُخْطِئِينَ فَلَا سَلَكَ الْأَوَّلَ وَلَا الثَّانِيَ وَبَعْضَ الْمُتَصَوِّفَةِ الْمُرِيدُ يَعْتَقِدُ أَنَّ شَيْخَهُ أَكْمَلُ شَيْخٍ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ وَطَرِيقَتَهُ أَفْضَلُ الطُّرُقِ. وَكِلَاهُمَا انْحِرَافٌ؛ بَلْ يُؤْمَرُ كُلُّ رَجُلٍ أَنْ يَأْتِيَ مِنْ طَاعَةِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ بِمَا اسْتَطَاعَهُ وَلَا يَنْقُلُ مِنْ طَاعَةِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ بِطَرِيقَتِهِ وَإِنْ كَانَ فِيهَا نَوْعُ نَقْصٍ أَوْ خَطَأٍ وَلَا يُبَيِّنُ لَهُ نَقْصَهَا إلَّا إذَا نُقِلَ إلَى مَا هُوَ أَفْضَلُ مِنْهَا وَإِلَّا فَقَدْ يَنْفِرُ قَلْبُهُ عَنْ الْأَوْلَى بِالْكُلِّيَّةِ حَتَّى يَتْرُكَ الْحَقَّ الَّذِي لَا يَجُوزُ تَرْكُهُ وَلَا يَتَمَسَّكَ بِشَيْءِ آخَرَ.