للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَمِثْلُ هَذَا قَدْ يَعْرِضُ لِبَعْضِ الْمُحِبِّينَ لِبَعْضِ الْمَخْلُوقِينَ كَمَا يَذْكُرُونَ أَنَّ رَجُلًا كَانَ يُحِبُّ آخَرَ فَأَلْقَى الْمَحْبُوبُ نَفْسَهُ فِي الْيَمِّ فَأَلْقَى الْمُحِبُّ نَفْسه خَلْفَهُ فَقَالَ لَهُ: أَنَا وَقَعْت؛ فَمَا الَّذِي أَوْقَعَك؟ فَقَالَ: غِبْت بِك عَنِّي. فَظَنَنْت أَنَّك أَنِّي. وَيُنْشِدُونَ: - رَقَّ الزُّجَاجُ وَرَاقَتْ الْخَمْرُ وَتَشَاكَلَا فَتَشَابَهَ الْأَمْرُ فَكَأَنَّمَا خَمْرٌ وَلَا قَدَحٌ وَكَأَنَّمَا قَدَحٌ وَلَا خَمْرُ وَهَذِهِ الْحَالُ تَعْرِضُ لِكَثِيرِ مِنْ السَّالِكِينَ وَلَيْسَتْ حَالًا لَازِمَةً لِكُلِّ سَالِكٍ وَلَا هِيَ أَيْضًا غَايَةٌ مَحْمُودَةٌ بَلْ ثُبُوتُ الْعَقْلِ وَالْفَهْمِ وَالْعِلْمُ مَعَ التَّوْحِيدِ بَاطِنًا وَظَاهِرًا كَحَالِ نَبِيِّنَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابِهِ أَكْمَل مِنْ هَذَا وَأَتَمُّ. وَالْمَعْنَى الَّذِي يُسَمُّونَهُ الْفَنَاءَ يَنْقَسِمُ ثَلَاثَةَ أَقْسَامٍ: فَنَاءٌ عَنْ عِبَادَةِ السِّوَى وَفَنَاءٌ عَنْ شُهُودِ السِّوَى وَفَنَاءٌ عَنْ وُجُودِ السِّوَى. فَالْأَوَّلُ: أَنْ يَفْنَى بِعِبَادَةِ اللَّهِ عَنْ عِبَادَةِ مَا سِوَاهُ وَبِخَوْفِهِ عَنْ خَوْفِ مَا سِوَاهُ وَبِرَجَائِهِ عَنْ رَجَاءِ مَا سِوَاهُ وَبِالتَّوَكُّلِ عَلَيْهِ عَنْ التَّوَكُّلِ عَلَى مَا سِوَاهُ وَبِمَحَبَّتِهِ عَنْ مَحَبَّةِ مَا سِوَاهُ؛ وَهَذَا هُوَ حَقِيقَةُ التَّوْحِيدِ وَالْإِخْلَاصِ الَّذِي أَرْسَلَ اللَّهُ بِهِ رُسُلَهُ وَأَنْزَلَ بِهِ كُتُبَهُ وَهُوَ تَحْقِيقُ " لَا إلَهَ إلَّا اللَّه " فَإِنَّهُ يَفْنَى مِنْ قَلْبِهِ كُلُّ تَأَلُّهٍ لِغَيْرِ اللَّهِ وَلَا يَبْقَى فِي قَلْبِهِ تَأَلُّهٌ لِغَيْرِ اللَّهِ وَكُلُّ مَنْ كَانَ أَكْمَلَ فِي هَذَا التَّوْحِيدِ كَانَ أَفْضَلَ عِنْدَ اللَّهِ.