للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فَلَمَّا اسْتَحْضَرَ الْقَلْبُ قُرْبَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَأَنَّهُ أَقْرَبُ إلَيْهِ مِنْ كُلِّ قَرِيبٍ أَخْفَى دُعَاءَهُ مَا أَمْكَنَهُ. وَقَدْ أَشَارَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَى الْمَعْنَى بِعَيْنِهِ بِقَوْلِهِ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ: {لَمَّا رَفَعَ الصَّحَابَةُ أَصْوَاتَهُمْ بِالتَّكْبِيرِ وَهُمْ مَعَهُ فِي السَّفَرِ فَقَالَ: أَرْبِعُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ فَإِنَّكُمْ لَا تَدْعُونَ أَصَمَّ وَلَا غَائِبًا إنَّكُمْ تَدْعُونَ سَمِيعًا قَرِيبًا إِنَّ الَّذِى تَدْعُونَهُ أَقْرَبُ إلَى أَحَدِكُمْ مِنْ عُنُقِ رَاحِلَتِهِ} ". وَقَدْ قَالَ تَعَالَى: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إذَا دَعَانِ} وَهَذَا الْقُرْبُ مِنْ الدَّاعِي هُوَ قُرْبٌ خَاصٌّ لَيْسَ قُرْبًا عَامًّا مِنْ كُلِّ أَحَدٍ فَهُوَ قَرِيبٌ مِنْ دَاعِيهِ وَقَرِيبٌ مِنْ عَابِدِيهِ وَأَقْرَبُ مَا يَكُونُ الْعَبْدُ مِنْ رَبِّهِ وَهُوَ سَاجِدٌ. وقَوْله تَعَالَى {ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً} فِيهِ الْإِرْشَادُ وَالْإِعْلَامُ بِهَذَا الْقُرْبِ. و " سَابِعُهَا " أَنَّهُ أَدْعَى إلَى دَوَامِ الطَّلَبِ وَالسُّؤَالِ فَإِنَّ اللِّسَانَ لَا يَمَلُّ وَالْجَوَارِحَ لَا تَتْعَبُ بِخِلَافِ مَا إذَا رَفَعَ صَوْتَهُ فَإِنَّهُ قَدْ يَمَلُّ اللِّسَانُ وَتَضْعُفُ قُوَاهُ. وَهَذَا نَظِيرُ مَنْ يَقْرَأُ وَيُكَرِّرُ فَإِذَا رَفَعَ صَوْتَهُ فَإِنَّهُ لَا يَطُولُ لَهُ؛ بِخِلَافِ مَنْ خَفَضَ صَوْتَهُ. و " ثَامِنُهَا " أَنَّ إخْفَاءَ الدُّعَاءِ أَبْعَدُ لَهُ مِنْ الْقَوَاطِعِ وَالْمُشَوِّشَاتِ؛