للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قَالَ الأوزاعي وَغَيْرُهُ: إنَّ السَّنَةَ جَاءَتْ بـ " جَبَلَ " وَلَمْ تَأْتِ بـ " جَبَرَ " {فَإِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِأَشَجَّ عَبْدِ الْقَيْسِ: إنَّ فِيك لَخُلُقَيْنِ يُحِبُّهُمَا اللَّهُ الْحِلْمَ وَالْأَنَاةَ. فَقَالَ: أَخُلُقَيْنِ تَخَلَّقْت بِهِمَا أَمْ خُلُقَيْنِ جُبِلْت عَلَيْهِمَا؟ فَقَالَ: بَلْ خُلُقَيْنِ جُبِلْت عَلَيْهِمَا. قَالَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي جَبَلَنِي عَلَى خُلُقَيْنِ يُحِبُّهُمَا اللَّهُ} . وَقَالَ الزُّبَيْدِيُّ وَغَيْرُهُ: إنَّمَا يُجْبَرُ الْعَاجِزُ يَعْنِي الْجَبْرَ الَّذِي هُوَ بِمَعْنَى الْإِكْرَاهِ كَمَا تُجْبَرُ الْمَرْأَةُ عَلَى النِّكَاحِ. وَاَللَّهُ أَجَلُّ وَأَعْظَمُ مِنْ أَنْ يُجْبِرَ أَحَدًا يَعْنِي أَنَّهُ يَخْلُقُ إرَادَةَ الْعَبْدِ فَلَا يَحْتَاجُ إلَى إجْبَارِهِ. فَالزُّبَيْدِيُّ وَطَائِفَةٌ نَفَوْا " الْجَبْرَ " وَكَانَ مَفْهُومُهُ عِنْدَهُمْ هَذَا. وَأَمَّا الأوزاعي وَأَحْمَد بْنُ حَنْبَلٍ وَغَيْرُهُمَا فَكَرِهُوا أَنْ يُقَالَ " جَبَرَ " وَأَنْ يُقَالَ " لَمْ يُجْبِرْ " لِأَنَّ " الْجَبْرَ " قَدْ يُرَادُ بِهِ الْإِكْرَاهُ وَاَللَّهُ لَا يُكْرِهُ أَحَدًا. وَقَدْ يُرَادُ بِهِ أَنَّهُ خَالِقُ الْإِرَادَةِ كَمَا قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ كَعْبٍ: " الْجَبَّارُ هُوَ الَّذِي جَبَرَ الْعِبَادَ عَلَى مَا أَرَادَ ". و " الْجَبْرُ " بِهَذَا الْمَعْنَى صَحِيحٌ. وَقَوْلُ مُجَاهِدٍ فِي قَوْلِهِ: {قَدَّرَ فَهَدَى} " هَدَى الْإِنْسَانَ لِلسَّعَادَةِ وَالشَّقَاوَةِ " يُبَيِّنُ أَنَّ هَذَا عِنْدَهُ مِمَّا دَخَلَ فِي قَوْلِهِ: {قَدَّرَ فَهَدَى}