للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

يَعْلَمُهَا الْمُسْتَدِلُّ. وَالْمَقْصُودُ بَيَانُ دَلَالَةِ النَّاسِ وَهِدَايَتِهِمْ وَهُمْ كُلُّهُمْ يَعْلَمُونَ أَنَّ النَّاسَ يُخْلَقُونَ مِنْ الْعَلَقِ. فَأَمَّا خَلْقُ آدَمَ مِنْ طِينٍ فَذَاكَ إنَّمَا عُلِمَ بِخَبَرِ الْأَنْبِيَاءِ أَوْ بِدَلَائِلَ أُخَرَ. وَلِهَذَا يُنْكِرُهُ طَائِفَةٌ مِنْ الْكُفَّارِ الدَّهْرِيَّةِ وَغَيْرِهِمْ الَّذِينَ لَا يُقِرُّونَ بِالنُّبُوَّاتِ. وَهَذَا بِخِلَافِ ذِكْرِ خَلْقِهِ فِي غَيْرِ هَذِهِ السُّورَةِ. فَإِنَّ ذَاكَ ذِكْرُهُ لِمَا يُثْبِتُ النُّبُوَّةَ وَهَذِهِ السُّورَةُ أَوَّلُ مَا نَزَلَ وَبِهَا تَثْبُتُ النُّبُوَّةُ فَلَمْ يَذْكُرْ فِيهَا مَا عُلِمَ بِالْخَبَرِ بَلْ ذَكَرَ فِيهَا الدَّلِيلَ الْمَعْلُومَ بِالْعَقْلِ وَالْمُشَاهَدَةِ وَالْأَخْبَارِ الْمُتَوَاتِرَةِ لِمَنْ لَمْ يَرَ الْعَلَقَ. وَذَكَرَ سُبْحَانَهُ خَلْقَ الْإِنْسَانِ مِنْ الْعَلَقِ وَهُوَ جَمْعُ " عَلَقَةٍ " وَهِيَ الْقِطْعَةُ الصَّغِيرَةُ مِنْ الدَّمِ لِأَنَّ مَا قَبْلَ ذَلِكَ كَانَ نُطْفَةً وَالنُّطْفَةُ قَدْ تَسْقُطُ فِي غَيْرِ الرَّحِمِ كَمَا يَحْتَلِمُ الْإِنْسَانُ وَقَدْ تَسْقُطُ فِي الرَّحِمِ ثُمَّ يَرْمِيهَا الرَّحِمُ قَبْلَ أَنْ تَصِيرَ عَلَقَةً. فَقَدْ صَارَ مَبْدَأً لِخَلْقِ الْإِنْسَانِ وَعُلِمَ أَنَّهَا صَارَتْ عَلَقَةً لِيُخْلَقَ مِنْهَا الْإِنْسَانُ. وَقَدْ قَالَ فِي سُورَةِ الْقِيَامَةِ {أَلَمْ يَكُ نُطْفَةً مِنْ مَنِيٍّ يُمْنَى} {ثُمَّ كَانَ عَلَقَةً فَخَلَقَ فَسَوَّى} {فَجَعَلَ مِنْهُ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى} {أَلَيْسَ ذَلِكَ بِقَادِرٍ