للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

لَكِنَّ هَذِهِ الْآيَةَ فِيهَا غُمُوضٌ مِنْ جِهَةِ كَوْنِهِ قَالَ {يُكَذِّبُكَ بَعْدُ بِالدِّينِ} . فَذَكَرَ الْمُكَذِّبَ بِالدِّينِ فَذَكَرَ الْمُكَذِّبَ وَالْمُكَذِّبُ بِهِ جَمِيعًا. وَهَذَا قَلِيلٌ جَاءَ نَظِيرُهُ فِي قَوْلِهِ {فَقَدْ كَذَّبُوكُمْ بِمَا تَقُولُونَ} فَأَمَّا أَكْثَرُ الْمَوَاضِعِ فَإِنَّمَا يَذْكُرُ أَحَدَهُمَا إمَّا الْمُكَذِّبُ كَقَوْلِهِ {كَذَّبَتْ قَوْمُ نُوحٍ الْمُرْسَلِينَ} وَإِمَّا الْمُكَذِّبُ بِهِ كَقَوْلِهِ {بَلْ كَذَّبُوا بِالسَّاعَةِ} . وَأَمَّا الْجَمْعُ بَيَّنَ ذِكْرِ الْمُكَذِّبِ وَالْمُكَذَّبِ بِهِ فَقَلِيلٌ. وَمِنْ هُنَا اشْتَبَهَتْ هَذِهِ الْآيَةُ عَلَى مَنْ جَعَلَ الْخِطَابَ فِيهَا لِلْإِنْسَانِ وَفَسَّرَ مَعْنَى قَوْلِهِ {فَمَا يُكَذِّبُكَ} فَمَا يَجْعَلُك مُكَذِّبًا. وَعِبَارَةُ آخَرِينَ: فَمَا يَجْعَلُك كَذَّابًا. قَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: وَقَالَ جُمْهُورٌ مِنْ الْمُفَسِّرِينَ: الْمُخَاطَبُ الْإِنْسَانُ الْكَافِرُ أَيْ مَا الَّذِي يَجْعَلُك كَذَّابًا بِالدِّينِ تَجْعَلُ لِلَّهِ أَنْدَادًا وَتَزْعُمُ أَنْ لَا بَعْثَ بَعْدَ هَذِهِ الدَّلَائِلِ؟ . (قُلْت وَكِلَا الْقَوْلَيْنِ غَيْرُ مَعْرُوفٍ فِي لُغَةِ الْعَرَبِ أَنْ يَقُولَ " كَذَّبَك أَيْ جَعَلَك مُكَذَّبًا " بَلْ " كَذَّبَك: جَعَلَك كَذَّابًا ". وَإِذَا قِيلَ " جَعَلَك كَذَّابًا " أَيْ كَاذِبًا فِيمَا يُخْبِرُ بِهِ كَمَا جَعَلَ الْكُفَّارُ الرُّسُلَ كَاذِبِينَ فِيمَا أَخْبَرُوا بِهِ فَكَذَّبُوهُمْ وَهَذَا يَقُولُ: