للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

كتاب مجموع الفتاوى

[ابن تيمية]
  1. الرئيسية
  2. أقسام الكتب
  3. الجوامع

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:
فهرس الكتاب سورة العلق فصل: في سبب نسيان الإنسان لنفسه ولما في نفسه
+ - التشكيل

وَمِثْلُ هَذَا التَّفْسِيرِ يَقَعُ كَثِيرًا فِي كَلَامِ مَنْ يَأْتِي بِمُجْمَلِ مِنْ الْقَوْلِ يُبَيِّنُ مَعْنًى دَلَّتْ عَلَيْهِ الْآيَةُ وَلَا يُفَسِّرُهَا بِمَا يَسْتَحِقُّهُ مِنْ التَّفْسِيرِ. فَإِنَّ قَوْلَهُمْ " تَرَكُوا أَمْرَ اللَّهِ ". هُوَ تَرْكُهُمْ لِلْعَمَلِ بِطَاعَتِهِ فَصَارَ الْأَوَّلُ هُوَ الثَّانِي. وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ قَالَ {وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُمْ} . فَهُنَا شَيْئَانِ: نِسْيَانُهُمْ لِلَّهِ ثُمَّ نِسْيَانُهُمْ لِأَنْفُسِهِمْ الَّذِي عُوقِبُوا بِهِ. فَإِنْ قِيلَ: هَذَا الثَّانِي هُوَ الْأَوَّلُ لَكِنَّهُ تَفْصِيلٌ مُجْمَلٌ كَقَوْلِهِ {وَكَمْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا فَجَاءَهَا بَأْسُنَا بَيَاتًا أَوْ هُمْ قَائِلُونَ} وَهَذَا هُوَ هَذَا؛ قِيلَ: هُوَ لَمْ يَقُلْ " نَسُوا اللَّهَ فَنَسُوا حَظَّ أَنْفُسِهِمْ " حَتَّى يُقَالَ: هَذَا هُوَ هَذَا بَلْ قَالَ {نَسُوا اللَّهَ فَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُمْ} فَثَمَّ إنْسَاءٌ مِنْهُ لَهُمْ أَنْفُسَهُمْ وَلَوْ كَانَ هَذَا هُوَ الْأَوَّلُ لَكَانَ قَدْ ذَكَرَ مَا يَعْذُرُهُمْ بِهِ لَا مَا يُعَاقِبُهُمْ بِهِ. فَلَوْ كَانَ الثَّانِي هُوَ الْأَوَّلُ لَكَانَ: {نَسُوا اللَّهَ} أَيْ تَرَكُوا الْعَمَلَ بِطَاعَتِهِ فَهُوَ الَّذِي أَنْسَاهُمْ ذَلِكَ. وَمَعْلُومٌ فَسَادُ هَذَا الْكَلَامِ لَفْظًا وَمَعْنًى. وَلَوْ قِيلَ: {نَسُوا اللَّهَ} أَيْ نَسُوا أَمْرَهُ {فَأَنْسَاهُمْ} الْعَمَلَ بِطَاعَتِهِ أَيْ تَذَكُّرَهَا لَكَانَ أَقْرَبَ وَيَكُونُ النِّسْيَانُ الْأَوَّلُ عَلَى بَابِهِ. فَإِنَّ مَنْ نَسِيَ نَفْسَ أَمْرِ اللَّهِ لَمْ يُطِعْهُ.

<<  <  ج:
ص:  >  >>