للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الْأَعْرَاضِ يَدُلُّ عَلَى حُدُوثِهَا. فَاسْتَدَلَّ عَلَى حُدُوثِ جَوَاهِرِ النُّطْفَةِ. وَلَيْسَتْ هَذِهِ طَرِيقَةَ الْقُرْآنِ وَلَا جُمْهُورَ الْعُقَلَاءِ. بَلْ يَعْرِفُونَ أَنَّ النُّطْفَةَ حَادِثَةٌ بَعْدَ أَنْ لَمْ تَكُنْ مُسْتَحِيلَةً عَنْ دَمِ الْإِنْسَانِ؛ وَهِيَ مُسْتَحِيلَةٌ إلَى الْمُضْغَةِ وَأَنَّ اللَّهَ يَخْلُقُ هَذَا الْجَوْهَرَ الثَّانِيَ مِنْ الْمَادَّةِ الْأُولَى بِالِاسْتِحَالَةِ وَيَعْدَمُ الْمَادَّةَ الْأُولَى لَا تَبْقَى جَوَاهِرُهَا بِأَعْيَانِهَا دَائِمًا كَمَا تَقَدَّمَ. فَالنُّظَّارُ فِي الْقُرْآنِ ثَلَاثُ دَرَجَاتٍ. مِنْهُمْ مَنْ يُعْرِضُ عَنْ دَلَائِلِهِ الْعَقْلِيَّةِ وَمِنْهُمْ مَنْ يُقِرُّ بِهَا لَكِنْ يَغْلَطُ فِي فَهْمِهَا وَمِنْهُمْ مَنْ يَعْرِفُهَا عَلَى وَجْهِهَا كَمَا أَنَّهُمْ ثَلَاثُ طَبَقَاتٍ فِي دَلَالَتِهِ الْخَبَرِيَّةِ. مِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ لَمْ يَدُلَّ عَلَى الصِّفَاتِ الْخَبَرِيَّةِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَدِلُّ بِهِ عَلَى غَيْرِ مَا دَلَّ عَلَيْهِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَدِلُّ بِهِ عَلَى مَا دَلَّ عَلَيْهِ. وَالْأَشْعَرِيُّ وَأَمْثَالُهُ بَرْزَخٌ بَيْنَ السَّلَفِ وَالْجَهْمِيَّة. أَخَذُوا مِنْ هَؤُلَاءِ كَلَامًا صَحِيحًا وَمِنْ هَؤُلَاءِ أُصُولًا عَقْلِيَّةً ظَنُّوهَا صَحِيحَةً وَهِيَ فَاسِدَةٌ. فَمِنْ النَّاسِ مَنْ مَالَ إلَيْهِ مِنْ الْجِهَةِ السَّلَفِيَّةِ وَمِنْ النَّاسِ مَنْ مَالَ إلَيْهِ مِنْ الْجِهَةِ الْبِدْعِيَّةِ الْجَهْمِيَّة كَأَبِي الْمَعَالِي وَأَتْبَاعِهِ. وَمِنْهُمْ مَنْ سَلَكَ مَسْلَكَهُمْ كَأَئِمَّةِ أَصْحَابِهِمْ كَمَا قَدْ بُسِطَ فِي مَوَاضِعَ.

إذْ الْمَقْصُودُ هُنَا أَنَّ جَعْلَ الْقُرْآنِ إمَامًا يُؤْتَمُّ بِهِ فِي أُصُولِ الدِّينِ