للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَلَفْظُ " مَا " يَدُلُّ عَلَى الصِّفَةِ بِخِلَافِ " مَنْ ". فَإِنَّهُ يَدُلُّ عَلَى الْعَيْنِ كَقَوْلِهِ: {فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ} أَيْ الطَّيِّبَ {وَالسَّمَاءِ وَمَا بَنَاهَا} أَيْ وَبَانِيهَا. وَنَظِيرُهُ قَوْلُهُ: {إذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِنْ بَعْدِي قَالُوا نَعْبُدُ إلَهَكَ وَإِلَهَ آبَائِكَ} وَلَمْ يَقُلْ " مَنْ تَعْبُدُونَ مِنْ بَعْدِي ". وَهَذَا نَظِيرُ قَوْلِهِ: {وَلَا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ} سَوَاءٌ. فَالْمَعْنَى: لَا أَعْبُدُ مَعْبُودَكُمْ وَلَا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَعْبُودِي. فَقَوْلُهُ: {وَلَا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ} يَتَنَاوَلُ شِرْكَهُمْ فَإِنَّهُ لَيْسَ بِعِبَادَةِ لِلَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يَقْبَلُ مِنْ الْعَمَلِ إلَّا مَا كَانَ خَالِصًا لِوَجْهِهِ. فَإِذَا أَشْرَكُوا بِهِ لَمْ يَكُونُوا عَابِدِينَ لَهُ وَإِنْ دَعَوْهُ وَصَلَّوْا لَهُ. وَأَيْضًا فَمَا عَبَدُوا مَا يَعْبُدُهُ وَهُوَ الْمَوْصُوفُ بِأَنَّهُ مَعْبُودٌ لَهُ عَلَى جِهَةِ الِاخْتِصَاصِ. بَلْ هَذَا يَتَنَاوَلُ عِبَادَتَهُ وَحْدَهُ وَيَتَنَاوَلُ الرَّبُّ الَّذِي أَخْبَرَ بِهِ بِمَا لَهُ مِنْ الْأَسْمَاءِ وَالصِّفَاتِ. فَمَنْ كَذَّبَ بِهِ فِي بَعْضِ مَا أَخْبَرَ بِهِ عَنْهُ فَمَا عَبَدَ مَا يَعْبُدُهُ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ. وَأَيْضًا فَالشَّرَائِعُ قَدْ تَتَنَوَّعُ فِي الْعِبَادَاتِ فَيَكُونُ الْمَعْبُودُ وَاحِدًا وَإِنْ لَمْ تَكُنْ الْعِبَادَةُ مِثْلَ الْعِبَادَةِ. وَهَؤُلَاءِ لَا يُتَبَرَّأُ مِنْهُمْ. فَكُلُّ مَنْ عَبَدَ اللَّهَ.