للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

بِقَوْلِهِ كَمَا قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {أَمَا إنَّ اللَّهَ قَالَ عَلَى لِسَانِ نَبِيهِ سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ} . فَإِنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ الْمُرْسَلِ وَالرَّسُولِ: قَدْ يُقَالُ إنَّهُ يَقُولُ عَلَى لِسَانِ الْآخَرِ كَمَا قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ للمروذي: قُلْ عَلَى لِسَانِي مَا شِئْت وَكَمَا يُقَالُ: هَذَا يَقُولُ عَلَى لِسَانِ السُّلْطَانِ كَيْتَ وَكَيْتَ فَمِثْلُ هَذَا مَعْنَاهُ مَفْهُومٌ. وَأَمَّا إنَّ اللَّهَ هُوَ الْمُتَكَلِّمُ عَلَى الْبَشَرِ كَمَا يَتَكَلَّمُ الْجِنِّيُّ عَلَى لِسَانِ الْمَصْرُوعِ: فَهَذَا كُفْرٌ صَرِيحٌ وَأَمَّا إذَا ظَهَرَ مِثْلُ هَذَا الْقَوْلِ عَنْ غَائِبِ الْعَقْلِ قَدْ رُفِعَ عَنْهُ الْقَلَمُ لِكَوْنِهِ مُصْطَلِمًا فِي حَالٍ مِنْ أَحْوَالِ الفنا وَالسُّكْرِ فَهَذَا تَكَلَّمَ بِهِ فِي حَالٍ رُفِعَ عَنْهُ فِيهِمَا الْقَلَمُ فَالْقَوْلُ وَإِنْ كَانَ بَاطِلًا لَكِنَّ الْقَائِلَ غَيْرُ مُؤَاخَذٍ. وَمِثْلُ هَذَا يَعْرِضُ لِمَنْ اسْتَوْلَى عَلَيْهِ سُلْطَانُ الْحُبِّ مَعَ ضَعْفِ الْعَقْلِ كَمَا يُقَالُ: إنَّ مَحْبُوبًا أَلْقَى نَفْسَهُ فِي الْيَمِّ فَأَلْقَى الْمُحِبُّ نَفْسَهُ خَلْفَهُ فَقَالَ: أَنَا وَقَعْت فَلِمَ وَقَعْت خَلْفِي؟ قَالَ: غِبْت بِك عَنِّي فَظَنَنْت أَنَّك أَنِّي. وَقَدْ يَنْتَهِي بَعْضُ النَّاسِ إلَى مَقَامٍ يَغِيبُ فِيهِ بِمَعْبُودِهِ عَنْ عِبَادَتِهِ وَبِمَذْكُورِهِ عَنْ ذِكْرِهِ وَبِمَعْرُوفِهِ عَنْ مَعْرِفَتِهِ. فَإِذَا ذَهَبَ تَمْيِيزُ هَذَا وَصَارَ غَائِبَ الْعَقْلِ - بِحَيْثُ يُرْفَعُ عَنْهُ الْقَلَمُ - لَمْ يَكُنْ مُعَاقَبًا عَلَى مَا تَكَلَّمَ بِهِ فِي هَذِهِ الْحَالِ مَعَ الْعِلْمِ بِأَنَّهُ خَطَأٌ وَضَلَالٌ وَأَنَّهُ حَالٌ نَاقِصٌ؛ لَا يَكُونُ لِأَوْلِيَاءِ اللَّهِ.