للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

النَّفْيِ عِلْمٌ؛ فَإِنَّ عَدَمَ الْعِلْمِ لَيْسَ عِلْمًا بِالْعَدَمِ لَكِنَّ نَفْيَهُمْ هَذَا كَنَفْيِ الطَّبِيبِ لِلْجِنِّ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي صِنَاعَةِ الطِّبّ مَا يَدُلُّ عَلَى ثُبُوتِ الْجِنِّ وَإِلَّا فَلَيْسَ فِي عِلْمِ الطِّبِّ مَا يَنْفِي وُجُودَ الْجِنِّ وَهَكَذَا تَجِدُ مِنْ عَرَفَ نَوْعًا مِنْ الْعِلْمِ وَامْتَازَ بِهِ عَلَى الْعَامَّةِ الَّذِينَ لَا يَعْرِفُونَهُ فَيَبْقَى بِجَهْلِهِ نَافِيًا لِمَا لَمْ يَعْلَمْهُ وَبَنُو آدَمَ ضَلَالُهُمْ فِيمَا جَحَدُوهُ وَنَفَوْهُ بِغَيْرِ عِلْمٍ أَكْثَرُ مِنْ ظِلَالِهِمْ فِيمَا أَثْبَتُوهُ وَصَدَّقُوا بِهِ. قَالَ تَعَالَى: {بَلْ كَذَّبُوا بِمَا لَمْ يُحِيطُوا بِعِلْمِهِ وَلَمَّا يَأْتِهِمْ تَأْوِيلُهُ} وَهَذَا لِأَنَّ الْغَالِبَ عَلَى الْآدَمِيِّينَ صِحَّةُ الْحِسِّ وَالْعَقْلِ فَإِذَا أَثْبَتُوا شَيْئًا وَصَدَّقُوا بِهِ كَانَ حَقًّا. وَلِهَذَا كَانَ التَّوَاتُرُ مَقْبُولًا مِنْ جَمِيعِ أَجْنَاسِ بَنِي آدَمَ؛ لِأَنَّهُمْ يُخْبِرُونَ عَمَّا شَاهَدُوهُ وَسَمِعُوهُ وَهَذَا أَمْرٌ لَا يَشْتَرِكُ الْخَلْقُ الْعَظِيمُ فِي الْغَلَطِ فِيهِ وَلَا فِي تَعَمُّدِ الْكَذِبِ فِيهِ فَإِذَا عُلِمَ أَنَّهُمْ لَمْ يَتَوَاطَئُوا عَلَيْهِ وَلَمْ يَأْخُذْهُ بَعْضُهُمْ عَنْ بَعْضٍ كَمَا تُؤْخَذُ الْمَذَاهِبُ وَالْآرَاءُ الَّتِي يَتَلَقَّاهَا الْمُتَأَخِّرُ عَنْ الْمُتَقَدِّمِ وَقَدْ عُلِمَ أَنَّ هَذَا مِمَّا لَا يُغْلَطُ فِيهِ عَادَةً عُلِمَ قَطْعًا صِدْقُهُمْ فَإِنَّ الْمُخْبِرَ إمَّا أَنْ يَتَعَمَّدَ الْكَذِبَ وَإِمَّا أَنْ يَغْلَطَ وَكِلَاهُمَا مَأْمُونٌ فِي الْمُتَوَاتِرَاتِ بِخِلَافِ مَا نَفَوْهُ وَكَذَّبُوا بِهِ فَإِنَّ غَالِبَهُمْ أَوْ كَثِيرًا مِنْهُمْ يَنْفُونَ مَا لَا يَعْلَمُونَ وَيُكَذِّبُونَ بِمَا لَمْ يُحِيطُوا بِعِلْمِهِ. فَصَارَ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ ظَنُّوا الْمَوْجُودَاتِ مَا عَرَفَهُ هَؤُلَاءِ الْمُتَفَلْسِفَةُ إذَا سَمِعُوا مَا أَخْبَرَتْ بِهِ الْأَنْبِيَاءُ مِنْ الْعَرْشِ وَالْكُرْسِيِّ قَالُوا: الْعَرْشُ هُوَ.