للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَالْمُتَحَيِّزُ عِنْدَهُمْ لَا يُعْتَبَرُ فِيهِ أَنَّهُ يَحُوزُهُ غَيْرُهُ وَلَا يَكُونُ لَهُ حَيِّزٌ وُجُودِيٌّ بَلْ كُلَّمَا أُشِيرَ إلَيْهِ وَامْتَازَ مِنْهُ شَيْءٌ عَنْ شَيْءٍ فَهُوَ مُتَحَيِّزٌ عِنْدَهُمْ. ثُمَّ هُمْ مُخْتَلِفُونَ بَعْدَ هَذَا فِي الْمُتَحَيِّزِ: هَلْ هُوَ مُرَكَّبٌ مِنْ الْجَوَاهِرِ الْمُنْفَرِدَةِ أَوْ مِنْ الْمَادَّةِ وَالصُّورَةِ؟ أَوْ هُوَ غَيْرُ مُرَكَّبٍ لَا مِنْ هَذَا وَلَا مِنْ هَذَا؟ كَمَا تَقَدَّمَ نِزَاعُهُمْ فِي الْجِسْمِ. فَالْجِسْمُ عِنْدَهُمْ مُتَحَيِّزٌ وَلَا يَخْرُجُ عَنْهُ شَيْءٌ إلَّا الْجَوْهَرُ الْفَرْدُ عِنْدَ مَنْ أَثْبَتَهُ وَهَؤُلَاءِ يَعْتَقِدُ كَثِيرٌ مِنْهُمْ أَوْ أَكْثَرُهُمْ أَنَّ كُلَّ مُتَحَيِّزٍ فَهُوَ مُرَكَّبٌ أَيْ يَقْبَلُ الِانْقِسَامَ إلَى جُزْءٍ لَا يَتَجَزَّأُ بَلْ يَظُنُّ بَعْضُهُمْ أَنَّ هَذَا إجْمَاعُ الْمُسْلِمِينَ وَأَكْثَرُهُمْ يَقُولُونَ الْمُتَحَيِّزَاتُ مُتَمَاثِلَةً فِي الْحَدِّ وَالْحَقِيقَةِ وَمَنْ كَانَ مَعْنَى الْمُتَحَيِّزِ عِنْدَهُ هَذَا فَعَلَيْهِ أَنْ يُنَزِّهَ اللَّهَ تَعَالَى أَنْ يَكُونَ مُتَحَيِّزًا بِهَذَا الِاعْتِبَارِ وَإِذَا قَالَ: الْمَلَائِكَةُ مُتَحَيِّزُونَ بِهَذَا الِاعْتِبَارِ أَوْ الرُّوحُ مُتَحَيِّزَةٌ بِهَذَا الِاعْتِبَارِ نَازَعَهُ فِي ذَلِكَ جُمْهُورُ الْعُقَلَاءِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ وَغَيْرِهِمْ؛ بَلْ لَا يُعْرَفُ أَحَدٌ مِنْ سَلَفِ الْأُمَّةِ وَأَئِمَّتِهَا يَقُولُ: إنَّ الْمَلَائِكَةَ مُتَحَيِّزَةٌ بِهَذَا الِاعْتِبَارِ وَلَا قَالُوا لَفْظًا يَدُلُّ عَلَى هَذَا الْمَعْنَى وَكَذَلِكَ رُوحُ بَنِي آدَمَ الَّتِي تُفَارِقُهُ بِالْمَوْتِ لَمْ يَقُلْ أَحَدٌ مِنْ السَّلَفِ إنَّهَا مُتَحَيِّزَةٌ بِهَذَا الِاعْتِبَارِ وَلَا قَالَ فِيهَا لَفْظًا يَدُلُّ عَلَى هَذَا الْمَعْنَى فَإِذَا كَانَ إثْبَاتُ هَذَا التَّحَيُّزِ لِلْمَلَائِكَةِ وَالرُّوحِ بِدْعَةً فِي الشَّرْعِ وَبَاطِلًا فِي الْعَقْلِ فَلَأَنْ يَكُونَ ذَلِكَ بِدْعَةً وَبَاطِلًا فِي رَبِّ