للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قَالَ لَهُ سَائِرُ أَهْلِ الْإِثْبَاتِ:

لَك جَوَابَانِ: أَحَدُهُمَا أَنْ يُقَالَ: عَدَمُ الدَّلِيلِ الْمُعَيَّنِ لَا يَسْتَلْزِمُ عَدَمَ الْمَدْلُولِ الْمُعَيَّنِ فَهَبْ أَنَّ مَا سَلَكْت مِنْ الدَّلِيلِ الْعَقْلِيِّ لَا يُثْبِتُ ذَلِكَ فَإِنَّهُ لَا يَنْفِيهِ وَلَيْسَ لَك أَنْ تَنْفِيَهُ بِغَيْرِ دَلِيلٍ لِأَنَّ النَّافِيَ عَلَيْهِ الدَّلِيلُ كَمَا عَلَى الْمُثْبِتِ وَالسَّمْعُ قَدْ دَلَّ عَلَيْهِ وَلَمْ يُعَارِضْ ذَلِكَ مُعَارِضٌ عَقْلِيٌّ وَلَا سَمْعِيٌّ فَيَجِبُ إثْبَاتُ مَا أَثْبَتَهُ الدَّلِيلُ السَّالِمُ عَنْ الْمُعَارِضِ الْمُقَاوِمِ الثَّانِي أَنْ يُقَالَ: يُمْكِنُ إثْبَاتُ هَذِهِ الصِّفَاتِ بِنَظِيرِ مَا أَثْبَتَ بِهِ تِلْكَ مِنْ الْعَقْلِيَّاتِ فَيُقَالُ نَفْعُ الْعِبَادِ بِالْإِحْسَانِ إلَيْهِمْ دَلَّ عَلَى الرَّحْمَةِ كَدَلَالَةِ التَّخْصِيصِ عَلَى الْمَشِيئَةِ وَإِكْرَامُ الطَّائِعِينَ يَدُلُّ عَلَى مَحَبَّتِهِمْ وَعِقَابُ الْكَافِرِينَ يَدُلُّ عَلَى بُغْضِهِمْ كَمَا قَدْ ثَبَتَ بِالشَّهَادَةِ وَالْخَبَرِ: مِنْ إكْرَامِ أَوْلِيَائِهِ وَعِقَابِ أَعْدَائِهِ وَالْغَايَاتُ الْمَحْمُودَةُ فِي مَفْعُولَاتِهِ وَمَأْمُورَاتِهِ - وَهِيَ مَا تَنْتَهِي إلَيْهِ مَفْعُولَاتُهُ وَمَأْمُورَاتُهُ مِنْ الْعَوَاقِبِ الْحَمِيدَةِ - تَدُلُّ عَلَى حِكْمَتِهِ الْبَالِغَةِ؛ كَمَا يَدُلُّ التَّخْصِيصُ عَلَى الْمَشِيئَةِ وَأَوْلَى لِقُوَّةِ الْعِلَّةِ الغائية؛ وَلِهَذَا كَانَ مَا فِي الْقُرْآنِ مِنْ بَيَانِ مَا فِي مَخْلُوقَاتِهِ مِنْ النِّعَمِ وَالْحِكَمِ: أَعْظَمُ مِمَّا فِي الْقُرْآنِ مِنْ بَيَانِ مَا فِيهَا مِنْ الدَّلَالَةِ عَلَى مَحْضِ الْمَشِيئَةِ