للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ} و (لِتَزُولَ) فِيهِ قِرَاءَتَانِ مَشْهُورَتَانِ بِالنَّفْيِ وَالْإِثْبَاتِ وَكُلُّ قِرَاءَةٍ لَهَا مَعْنًى صَحِيحٌ. وَكَذَلِكَ الْقِرَاءَةُ الْمَشْهُورَةُ: {وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً} وَقَرَأَ طَائِفَةٌ مِنْ السَّلَفِ: لَتُصِيبَن الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً وَكِلَا الْقِرَاءَتَيْنِ حَقٌّ فَإِنَّ الَّذِي يَتَعَدَّى حُدُودَ اللَّهِ هُوَ الظَّالِمُ وَتَارِكُ الْإِنْكَارِ عَلَيْهِ قَدْ يُجْعَلُ غَيْرَ ظَالِمٍ لِكَوْنِهِ لَمْ يُشَارِكْهُ وَقَدْ يُجْعَلُ ظَالِمًا بِاعْتِبَارِ مَا تُرِكَ مِنْ الْإِنْكَارِ الْوَاجِبِ وَعَلَى هَذَا قَوْلُهُ: {فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ أَنْجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُوا بِعَذَابٍ بَئِيسٍ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ} فَأَنْجَى اللَّهُ النَّاهِينَ. وَأَمَّا أُولَئِكَ الْكَارِهُونَ لِلذَّنْبِ الَّذِينَ قَالُوا: {لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا} فَالْأَكْثَرُونَ عَلَى أَنَّهُمْ نَجَوْا لِأَنَّهُمْ كَانُوا كَارِهِينَ فَأَنْكَرُوا بِحَسَبِ قُدْرَتِهِمْ. وَأَمَّا مَنْ تَرَكَ الْإِنْكَارَ مُطْلَقًا فَهُوَ ظَالِمٌ يُعَذَّبُ كَمَا قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {إنَّ النَّاسَ إذَا رَأَوْا الْمُنْكَرَ فَلَمْ يُغَيِّرُوهُ أَوْشَكَ أَنْ يَعُمَّهُمْ اللَّهُ بِعِقَابِ مِنْهُ} وَهَذَا الْحَدِيثُ مُوَافِقٌ لِلْآيَةِ. وَالْمَقْصُودُ هُنَا أَنَّهُ يَصِحُّ النَّفْيُ وَالْإِثْبَاتُ بِاعْتِبَارَيْنِ كَمَا أَنَّ قَوْلَهُ: {لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً} أَيْ لَا تَخْتَصُّ بِالْمُعْتَدِينَ بَلْ تَتَنَاوَلُ مَنْ رَأَى الْمُنْكَرَ فَلَمْ يُغَيِّرْهُ وَمَنْ قَرَأَ لَتُصِيبَن الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ