للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مَا لَيْسَ لِمَنْ لَهُ مِثْلُ ذَلِكَ. وَتَارَةً يَحْصُلُ الْعِلْمُ بِالْخَبَرِ لِكَوْنِهِ رُوِيَ بِحَضْرَةِ جَمَاعَةٍ كَثِيرَةٍ شَارَكُوا الْمُخْبِرَ فِي الْعِلْمِ وَلَمْ يُكَذِّبْهُ أَحَدٌ مِنْهُمْ؛ فَإِنَّ الْجَمَاعَةَ الْكَثِيرَةَ قَدْ يَمْتَنِعُ تَوَاطُؤُهُمْ عَلَى الْكِتْمَانِ كَمَا يَمْتَنِعُ تَوَاطُؤُهُمْ عَلَى الْكَذِبِ. وَإِذَا عُرِفَ أَنَّ الْعِلْمَ بِأَخْبَارِ الْمُخْبِرِينَ لَهُ أَسْبَابٌ غَيْرَ مُجَرَّدِ الْعَدَدِ عُلِمَ أَنَّ مَنْ قَيَّدَ الْعِلْمَ بِعَدَدِ مُعَيَّنٍ وَسَوَّى بَيْنَ جَمِيعِ الْأَخْبَارِ فِي ذَلِكَ فَقَدْ غَلِطَ غَلَطًا عَظِيمًا؛ وَلِهَذَا كَانَ التَّوَاتُرُ يَنْقَسِمُ إلَى: عَامٍّ؛ وَخَاصٍّ فَأَهْلُ الْعِلْمِ بِالْحَدِيثِ وَالْفِقْهِ قَدْ تَوَاتَرَ عِنْدَهُمْ مِنْ السُّنَّةِ مَا لَمْ يَتَوَاتَرْ عِنْدَ الْعَامَّةِ كَسُجُودِ السَّهْوِ وَوُجُوبِ الشُّفْعَةِ وَحَمْلِ الْعَاقِلَةِ الْعَقْلَ وَرَجْمِ الزَّانِي الْمُحْصَنِ؛ وَأَحَادِيثِ الرُّؤْيَةِ وَعَذَابِ الْقَبْرِ؛ وَالْحَوْضِ وَالشَّفَاعَةِ؛ وَأَمْثَالِ ذَلِكَ. وَإِذَا كَانَ الْخَبَرُ قَدْ تَوَاتَرَ عِنْدَ قَوْمٍ دُونَ قَوْمٍ وَقَدْ يَحْصُلُ الْعِلْمُ بِصِدْقِهِ لِقَوْمِ دُونَ قَوْمٍ فَمَنْ حَصَلَ لَهُ الْعِلْمُ بِهِ وَجَبَ عَلَيْهِ التَّصْدِيقُ بِهِ وَالْعَمَلُ بِمُقْتَضَاهُ كَمَا يَجِبُ ذَلِكَ فِي نَظَائِرِهِ وَمَنْ لَمْ يَحْصُلْ لَهُ الْعِلْمُ بِذَلِكَ فَعَلَيْهِ أَنْ يُسَلِّمَ ذَلِكَ لِأَهْلِ الْإِجْمَاعِ الَّذِينَ أَجْمَعُوا عَلَى صِحَّتِهِ كَمَا عَلَى النَّاسِ أَنْ يُسَلِّمُوا الْأَحْكَامَ الْمُجْمَعَ عَلَيْهَا إلَى مَنْ أَجْمَعَ عَلَيْهَا مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ؛ فَإِنَّ اللَّهَ عَصَمَ هَذِهِ الْأُمَّةَ أَنْ تَجْتَمِعَ عَلَى ضَلَالَةٍ وَإِنَّمَا يَكُونُ إجْمَاعُهَا بِأَنْ يُسَلِّمَ غَيْرُ الْعَالِمِ لِلْعَالِمِ؛ إذْ غَيْرُ الْعَالِمِ لَا يَكُونُ لَهُ قَوْلٌ وَإِنَّمَا الْقَوْلُ لِلْعَالِمِ فَكَمَا أَنَّ مَنْ لَا يَعْرِفُ أَدِلَّةَ الْأَحْكَامِ لَا يُعْتَدُّ بِقَوْلِهِ فَمَنْ لَا يَعْرِفُ طُرُقَ الْعِلْمِ بِصِحَّةِ الْحَدِيثِ لَا يُعْتَدُّ بِقَوْلِهِ بَلْ عَلَى كُلِّ مَنْ لَيْسَ بِعَالِمِ أَنْ يَتْبَعَ إجْمَاعَ أَهْلِ الْعِلْمِ.