للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مَنْ مَعَهُ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ أَفْضَلُ مِنْ مَقَامِهِمْ بِمَكَّةَ لِأَجْلِ أَنَّهَا دَارُ هِجْرَتِهِمْ؛ وَلِهَذَا كَانَ الرِّبَاطُ بِالثُّغُورِ أَفْضَلُ مِنْ مُجَاوَرَةِ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ كَمَا ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ: {رِبَاطُ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ خَيْرٌ مِنْ صِيَامِ شَهْرٍ وَقِيَامِهِ وَمَنْ مَاتَ مُرَابِطًا مَاتَ مُجَاهِدًا وَجَرَى عَلَيْهِ عَمَلُهُ وَأُجْرِيَ رِزْقُهُ مِنْ الْجَنَّةِ وَأَمِنَ الْفَتَّانَ} وَفِي السُّنَنِ عَنْ عُثْمَانَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: {رِبَاطُ يَوْمٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ يَوْمٍ فِيمَا سِوَاهُ مِنْ الْمَنَازِلِ} وَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: لَأَنْ أُرَابِطَ لَيْلَةً فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَحَبُّ إلَيَّ مِنْ أَنْ أَقُومَ لَيْلَةَ الْقَدْرِ عِنْدَ الْحَجَرِ الْأَسْوَدِ؛ وَلِهَذَا كَانَ أَفْضَلُ الْأَرْضِ فِي حَقِّ كُلِّ إنْسَانٍ أَرْضٌ يَكُونُ فِيهَا أَطْوَعَ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ وَهَذَا يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْأَحْوَالِ وَلَا تَتَعَيَّنُ أَرْضٌ يَكُونُ مُقَامُ الْإِنْسَانِ فِيهَا أَفْضَلَ وَإِنَّمَا يَكُونُ الْأَفْضَلُ فِي حَقِّ كُلِّ إنْسَانٍ بِحَسَبِ التَّقْوَى وَالطَّاعَةِ وَالْخُشُوعِ وَالْخُضُوعِ وَالْحُضُورِ وَقَدْ كَتَبَ أَبُو الدَّرْدَاءِ إلَى سَلْمَانَ: هَلُمَّ إلَى الْأَرْضِ الْمُقَدَّسَةِ فَكَتَبَ إلَيْهِ سَلْمَانُ: أَنَّ الْأَرْضَ لَا تُقَدِّسُ أَحَدًا وَإِنَّمَا يُقَدِّسُ الْعَبْدَ عَمَلُهُ. {وَكَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ آخَى بَيْنَ سَلْمَانَ وَأَبِي الدَّرْدَاءِ} وَكَانَ سَلْمَانُ أَفْقَهَ مِنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ فِي أَشْيَاءَ مِنْ جُمْلَتِهَا هَذَا. وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى لِمُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ {سَأُرِيكُمْ دَارَ الْفَاسِقِينَ} وَهِيَ الدَّارُ الَّتِي كَانَ بِهَا أُولَئِكَ الْعَمَالِقَةُ ثُمَّ صَارَتْ بَعْدَ هَذَا دَارَ الْمُؤْمِنِينَ وَهِيَ الدَّارُ الَّتِي دَلَّ عَلَيْهَا الْقُرْآنُ مِنْ الْأَرْضِ الْمُقَدَّسَةِ