للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَأَبُو حَامِدٍ الْغَزَالِيُّ لَمَّا ذَكَرَ فِي كِتَابِهِ طُرُقَ النَّاسِ فِي التَّأْوِيلِ؛ وَأَنَّ الْفَلَاسِفَةَ زَادُوا فِيهِ حَتَّى انْحَلُّوا؛ وَإِنَّ الْحَقَّ بَيَّنَ جُمُودَ الْحَنَابِلَةِ وَبَيَّنَ انْحِلَالَ الْفَلَاسِفَةِ؛ وَأَنَّ ذَلِكَ لَا يُعْرَفُ مِنْ جِهَةِ السَّمْعِ بَلْ تَعْرِفُ الْحَقَّ بِنُورٍ يُقْذَفُ فِي قَلْبِك؛ ثُمَّ يُنْظَرُ فِي السَّمْعِ: فَمَا وَافَقَ ذَلِكَ قَبِلْته وَإِلَّا فَلَا. وَكَانَ مَقْصُودُهُ بِالْفَلَاسِفَةِ الْمُتَأَوِّلِينَ خِيَارَ الْفَلَاسِفَةِ وَهُمْ الَّذِينَ يُعَظِّمُونَ الرَّسُولَ عَنْ أَنْ يَكْذِبَ لِلْمَصْلَحَةِ وَلَكِنَّ هَؤُلَاءِ وَقَعُوا فِي نَظِيرِ مَا فَرُّوا مِنْهُ نَسَبُوهُ إلَى التَّلْبِيسِ وَالتَّعْمِيَةِ وَإِضْلَالِ الْخَلْقِ بَلْ إلَى أَنْ يَظْهَرَ الْبَاطِلُ وَيُكْتَمُ الْحَقُّ. وَابْنُ سِينَا وَأَمْثَالُهُ لَمَّا عَرَفُوا أَنَّ كَلَامَ الرَّسُولِ لَا يَحْتَمِلُ هَذِهِ التَّأْوِيلَاتِ الْفَلْسَفِيَّةَ؛ بَلْ قَدْ عَرَفُوا أَنَّهُ أَرَادَ مَفْهُومَ الْخِطَابِ: سَلَكَ مَسْلَكَ التَّخْيِيلِ وَقَالَ: إنَّهُ خَاطَبَ الْجُمْهُورَ بِمَا يُخَيَّلُ إلَيْهِمْ؛ مَعَ عِلْمِهِ أَنَّ الْحَقَّ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ لَيْسَ كَذَلِكَ. فَهَؤُلَاءِ يَقُولُونَ: إنَّ الرُّسُلَ كَذَبُوا لِلْمَصْلَحَةِ. وَهَذَا طَرِيقُ ابْنِ رُشْدٍ الْحَفِيدِ وَأَمْثَالِهِ مِنْ الْبَاطِنِيَّةِ فَاَلَّذِينَ عَظَّمُوا الرُّسُلَ مِنْ هَؤُلَاءِ عَنْ الْكَذِبِ نَسَبُوهُمْ إلَى التَّلْبِيسِ وَالْإِضْلَالِ وَاَلَّذِينَ أَقَرُّوا بِأَنَّهُمْ بَيَّنُوا الْحَقَّ قَالُوا: إنَّهُمْ كَذَبُوا لِلْمَصْلَحَةِ.

وَأَمَّا أَهْلُ الْعِلْمِ وَالْإِيمَانِ فَمُتَّفِقُونَ عَلَى أَنَّ الرُّسُلَ لَمْ يَقُولُوا إلَّا