للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَالتَّعْرِيضُ نَوْعٌ مِنْ الْكَذِبِ؛ إذْ كَانَ كَذِبًا فِي الْأَفْهَامِ؛ وَلِهَذَا قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {إنَّ إبْرَاهِيمَ لَمْ يَكْذِبْ إلَّا ثَلَاثَ كِذْبَاتٍ كُلُّهُنَّ فِي ذَاتِ اللَّهِ} وَهِيَ مَعَارِيضُ كَقَوْلِهِ عَنْ سَارَّةَ: إنَّهَا أُخْتِي؛ إذْ كَانَ لَيْسَ هُنَاكَ مُؤْمِنٌ إلَّا هُوَ وَهِيَ. وَهَؤُلَاءِ يَقُولُونَ: إنَّ كَلَامَ إبْرَاهِيمَ وَعَامَّةِ الْأَنْبِيَاءِ مِمَّا أَخْبَرُوا بِهِ عَنْ الْغَيْبِ كَذِبٌ مِنْ الْمَعَارِيضِ. وَأَمَّا جُمْهُورُ الْمُتَكَلِّمِينَ فَلَا يَقُولُونَ بِهَذَا بَلْ يَقُولُونَ: قَصَدُوا الْبَيَانَ دُونَ التَّعْرِيضِ. لَكِنْ مَعَ هَذَا يَقُولُ الْجَهْمِيَّة وَنَحْوُهُمْ: إنَّ بَيَانَ الْحَقِّ لَيْسَ فِي خِطَابِهِمْ بَلْ إنَّمَا فِي خِطَابِهِمْ مَا يَدُلُّ عَلَى الْبَاطِلِ. والمتكلمون مِنْ الْجَهْمِيَّة وَالْمُعْتَزِلَةِ وَالْأَشْعَرِيَّةِ وَنَحْوِهِمْ مِمَّنْ سَلَكَ فِي إثْبَاتِ الصَّانِعِ طَرِيقَ الْأَعْرَاضِ يَقُولُونَ: إنَّ الصَّحَابَةَ لَمْ يُبَيِّنُوا أُصُولَ الدِّينِ بَلْ وَلَا الرَّسُولُ: إمَّا لِشَغْلِهِمْ بِالْجِهَادِ؛ أَوْ لِغَيْرِ ذَلِكَ. وَقَدْ بَسَطْنَا الْكَلَامَ عَلَى هَؤُلَاءِ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ وَبَيَّنَّا أَنَّ أُصُولَ الدِّينِ الْحَقِّ الَّذِي أَنْزَلَ اللَّهُ بِهِ كِتَابَهُ وَأَرْسَلَ بِهِ رَسُولَهُ وَهِيَ الْأَدِلَّةُ وَالْبَرَاهِينُ وَالْآيَاتُ الدَّالَّةُ عَلَى ذَلِكَ: قَدْ بَيَّنَهَا الرَّسُولُ أَحْسَنَ بَيَانٍ وَأَنَّهُ دَلَّ النَّاسَ وَهَدَاهُمْ إلَى الْأَدِلَّةِ الْعَقْلِيَّةِ وَالْبَرَاهِينِ الْيَقِينِيَّةِ الَّتِي بِهَا يَعْلَمُونَ الْمَطَالِبَ الْإِلَهِيَّةَ وَبِهَا يَعْلَمُونَ إثْبَاتَ رُبُوبِيَّةِ اللَّهِ وَوَحْدَانِيِّتِهِ