للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

إذَا ذَهَبَ مِنْ الْبَلَدِ لِتَبْلِيغِ رِسَالَةٍ أَوْ أَخْذِ حَاجَةٍ ثُمَّ كَرَّ رَاجِعًا مِنْ غَيْرِ نُزُولٍ. فَإِنَّ هَذَا لَا يُسَمَّى مُسَافِرًا بِخِلَافِ مَا إذَا تَزَوَّدَ زَادَ الْمُسَافِرِ وَبَاتَ هُنَاكَ فَإِنَّهُ يُسَمَّى مُسَافِرًا وَتِلْكَ الْمَسَافَةُ يَقْطَعُهَا غَيْرُهُ فَيَكُونُ مُسَافِرًا يَحْتَاجُ أَنْ يَتَزَوَّدَ لَهَا وَيَبِيتَ بِتِلْكَ الْقَرْيَةِ وَلَا يَرْجِعُ إلَّا بَعْدَ يَوْمٍ أَوْ يَوْمَيْنِ؛ فَهَذَا يُسَمِّيه النَّاسُ مُسَافِرًا وَذَلِكَ الَّذِي ذَهَبَ إلَيْهَا طَرْدًا وَكَرَّ رَاجِعًا عَلَى عَقِبِهِ لَا يُسَمُّونَهُ مُسَافِرًا وَالْمَسَافَةُ وَاحِدَةٌ. فَالسَّفَرُ حَالٌ مِنْ أَحْوَالِ السَّيْرِ لَا يُحَدُّ بِمَسَافَةِ وَلَا زَمَانٍ وَكَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَذْهَبُ إلَى قُبَاء كُلَّ سَبْتٍ رَاكِبًا وَمَاشِيًا وَلَمْ يَكُنْ مُسَافِرًا وَكَانَ النَّاسُ يَأْتُونَ الْجُمُعَةَ مِنْ الْعَوَالِي وَالْعَقِيقِ ثُمَّ يُدْرِكُهُمْ اللَّيْلُ فِي أَهْلِهِمْ وَلَا يَكُونُونَ مُسَافِرِينَ وَأَهْلُ مَكَّةَ لَمَّا خَرَجُوا إلَى مِنًى وَعَرَفَةَ كَانُوا مُسَافِرِينَ يَتَزَوَّدُونَ لِذَلِكَ وَيَبِيتُونَ خَارِجَ الْبَلَدِ وَيَتَأَهَّبُونَ أُهْبَةَ السَّفَرِ بِخِلَافِ مَنْ خَرَجَ لِصَلَاةِ الْجُمُعَةِ أَوْ غَيْرِهَا مِنْ الْحَاجَاتِ ثُمَّ رَجَعَ مِنْ يَوْمِهِ وَلَوْ قَطَعَ بَرِيدًا؛ فَقَدْ لَا يُسَمَّى مُسَافِرًا. وَمَا زَالَ النَّاسُ يَخْرُجُونَ مِنْ مَسَاكِنِهِمْ إلَى الْبَسَاتِينِ الَّتِي حَوْلَ مَدِينَتِهِمْ؛ وَيَعْمَلُ الْوَاحِدُ فِي بُسْتَانِهِ أَشْغَالًا مِنْ غَرْسٍ وَسَقْيٍ وَغَيْرِ ذَلِكَ كَمَا كَانَتْ الْأَنْصَارُ تَعْمَلُ فِي حِيطَانِهِمْ وَلَا يُسَمَّوْنَ مُسَافِرِينَ. وَلَوْ أَقَامَ أَحَدُهُمْ طُولَ النَّهَارِ وَلَوْ بَاتَ فِي بُسْتَانِهِ وَأَقَامَ فِيهِ أَيَّامًا؛ وَلَوْ كَانَ الْبُسْتَانُ أَبْعَدَ مِنْ بَرِيدٍ؛ فَإِنَّ الْبُسْتَانَ مِنْ تَوَابِعِ الْبَلَدِ عِنْدَهُمْ وَالْخُرُوجُ