للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مِنْ جِهَةِ أَنَّ تَصَوُّرَهُ فَرْعٌ عَلَى تَصَوُّرِ الْمَحْبُوبِ الْمُرَادِ الْمَأْمُورِ بِهِ وَأَنَّ قَصْدَ عَدَمِهِ الَّذِي هُوَ بُغْضُهُ وَكَرَاهَتُهُ فَرْعٌ عَلَى إرَادَةِ وُجُودِ الْمَأْمُورِ بِهِ الَّذِي هُوَ حُبُّهُ وَإِرَادَتُهُ وَذَلِكَ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ إذَا عَلِمَ عَدَمَ شَيْءٍ وَأَخْبَرَ عَنْ عَدَمِهِ مِثْلَ قَوْلِنَا: أَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَقَوْلِنَا: لَا نَبِيَّ بَعْدَ مُحَمَّدٍ وَقَوْلِنَا: لَيْسَ الْمَسِيحُ بِإِلَهِ وَلَا رَبٍّ وَقَوْلِنَا: ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ إلَى أَمْثَالِ ذَلِكَ حَتَّى يَنْتَهِيَ التَّمْثِيلُ إلَى قَوْلِ الْقَائِلِ: لَيْسَ الْجَبَلُ يَاقُوتًا وَلَا الْبَحْرُ زِئْبَقًا وَنَحْوِ ذَلِكَ فَإِنَّ هَذِهِ الْجُمَلَ الْخَبَرِيَّةَ النَّافِيَةَ الَّتِي هِيَ قَضَايَا سَلْبِيَّةٌ لَوْلَا تَصَوُّرُ النَّفْيِ وَالْمَنْفِيِّ عَنْهُ لَمَا أَمْكَنَهُ الْإِخْبَارُ بِالنَّفْيِ وَالْحُكْمِ فَلَا بُدَّ أَنْ يَتَصَوَّرَ النَّفْيَ وَالْمَنْفِيَّ عَنْهُ مِثْلَ تَصَوُّرِ الْجَبَلِ وَالْيَاقُوتِ. وَالْمَنْفِيُّ هُوَ عَدَمٌ مَحْضٌ وَنَفْسُ الْإِنْسَانِ الَّتِي هِيَ الشَّاعِرَةُ الْعَالِمَةُ الْمُدْرِكَةُ بِقُوَاهَا وَآلَاتِهَا لَمْ تَجِدْ الْعَدَمَ وَلَمْ تَفْقَهْهُ وَلَمْ تُصَادِفْهُ وَلَمْ تُحِسَّهُ بِشَيْءِ مِنْ حَوَاسِّهَا الْبَاطِنَةِ وَلَا الظَّاهِرَةِ وَلَا شَعَرَتْ إلَّا بِمَوْجُودِ لَكِنْ لَمَّا شَعَرَتْ بِمَوْجُودِ أَخَذَ الْعَقْلُ وَالْخَيَالُ يُقَدِّرُ فِي النَّفْسِ أُمُورًا تَابِعَةً لِتِلْكَ الْأُمُورِ الْمَوْجُودَةِ إمَّا أُمُورٌ مُرَكَّبَةٌ وَإِمَّا مُشَابِهَةٌ لَهَا فَإِنَّهُ أَدْرَكَ الْيَاقُوتَ وَأَدْرَكَ الْجَبَلَ ثُمَّ رَكَّبَ فِي خَيَالِهِ جَبَلَ يَاقُوتٍ وَعَرَفَ جِنْسَ النُّبُوَّةِ وَعَرَفَ الزَّمَانَ الْمُتَأَخِّرَ عَنْ مَبْعَثِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ قَدَّرَ نَبِيًّا فِي هَذَا الزَّمَانِ الْمُتَأَخِّرِ وَعَرَفَ الْإِلَهَ وَالْأُلُوهِيَّةَ الثَّابِتَةَ لِلَّهِ رَبِّ