للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قَالَ تَعَالَى: {إنَّ الْإِنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا} {إذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا} {وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا} {إلَّا الْمُصَلِّينَ} وَإِنَّمَا الذَّمُّ الْمُحَقَّقُ هُوَ مَا يَشْغَلُ عَنْ مَصْلَحَةِ الْآخِرَةِ مِنْ الْوَاجِبِ وَالنَّقْصُ هُوَ مَا يَشْغَلُ عَنْ مَصْلَحَتِهَا الْمُسْتَحَبَّةِ وَيُذَمُّ مَا تَرَجَّحَتْ مَضَرَّتُهُ عَلَى مَنْفَعَتِهِ فِيهَا فَهَذِهِ ثَلَاثَةُ أُمُورٍ هِيَ فَصْلُ الْخِطَابِ فَقَدْ تَبَيَّنَ أَنَّ الْمَحْمُودَ فِيهَا وُجُودِيٌّ أَوْ عَدَمِيٌّ. وَقَدْ يَقَعُ الْغَلَطُ فِي الزُّهْدِ مِنْ وُجُوهٍ كَمَا وَقَعَ فِي الْوَرَعِ: أَحَدُهَا: أَنَّ قَوْمًا زَهِدُوا فِيمَا يَنْفَعُهُمْ بِلَا مَضَرَّةٍ فَوَقَعُوا بِهِ فِي تَرْكِ وَاجِبَاتٍ أَوْ مُسْتَحَبَّاتٍ كَمَنْ تَرَكَ النِّسَاءَ وَاللَّحْمَ وَنَحْوَ ذَلِكَ وَقَدْ {قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَكِنِّي أَصُومُ وَأُفْطِرُ؛ وَأَتَزَوَّجُ النِّسَاءَ وَآكُلُ اللَّحْمَ فَمَنْ رَغِبَ عَنْ سُنَّتِي فَلَيْسَ مِنِّي} ". وَالثَّانِي: أَنَّ زُهْدَ هَذَا أَوْقَعَهُ فِي فِعْلِ مَحْظُورَاتٍ كَمَنْ تَرَكَ تَنَاوُلَ مَا أُبِيحَ لَهُ مِنْ الْمَالِ وَالْمَنْفَعَةِ وَاحْتَاجَ إلَى ذَلِكَ فَأَخَذَهُ مِنْ حَرَامٍ أَوْ سَأَلَ النَّاسَ الْمَسْأَلَةَ الْمُحَرَّمَةَ أَوْ اسْتَشْرَفَ إلَيْهِمْ وَالِاسْتِشْرَافُ مَكْرُوهٌ. وَالثَّالِثُ: مَنْ زَهِدَ زُهْدَ الْكَسَلِ وَالْبَطَالَةِ وَالرَّاحَةِ لَا لِطَلَبِ الدَّارِ الْآخِرَةِ بِالْعَمَلِ الصَّالِحِ وَالْعِلْمِ النَّافِعِ؛ فَإِنَّ الْعَبْدَ إذَا كَانَ زَاهِدًا بَطَّالًا فَسَدَ أَعْظَمَ فَسَادٍ فَهَؤُلَاءِ لَا يُعَمِّرُونَ الدُّنْيَا وَلَا الْآخِرَةَ كَمَا قَالَ