للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقد أمكننا بفضل هذا المجهود المضني الحصول على أخبار دول وأقوام عربية لم يرد لها ذكر في الموارد الإسلامية؛ لأن أخبار تلك الدول وأولئك الأقوام كانت قد انقطعت وطمست قبل الإسلام؛ فلم تبلغ أهل الأخبار.

وقد ساعدهم في شرح الكتابات الجاهلية وتفسيرها علمهم بلغات عديدة، مثل اللغة العبرانية والسريانية والبابلية، فإن في هذه اللغات ألفاظًا ترد في تلك الكتابات بحكم تقاربها واشتراكها في هذه الثقافة المتقاربة التي نسميها "الرابطة السامية"، كما أن فيها أفكارًا وآراء ترد عند المتكلمين بهذه اللغات، ولهذا صار في الإمكان فهم ما ورد في الكتابات الجاهلية بالاستعانة بتلك الأفكار والآراء.

وقد كان للسياح الذين جابوا مواضع متعددة من جزيرة العرب، ولا سيما المنطقة الغربية والجنوبية منها، فضل كبير في بعث الحياة في الكتابات الجاهلية. فقد أخذ أولئك السياح بعض كتابات، كما أخذوا صور بعض آخر، ويفضل تعاونهم مع العلماء المبحرين باللغات الشرقية أمكن حلّ رموزها وبعث الحياة فيها بعد موت طويل.

وقد كان أسفار أولئك السياح مغامرات ومجازفات؛ إذ تعرضت حياة أكثرهم للخطر، بسبب عدم استقرار الأمن إذ ذاك، وبسبب سوء الأوضاع الصحية، ولعدم وجود أماكن مريحة تناسب حياتهم التي تعوّدوها؛ إلا أنهم لم يبالوا ذلك ولم يحفلوا به، وتحايلوا بمختلف الحيل للتغلب على تلك الصعوبات ولكسب ودّ رؤساء القبائل والحكّام لتسهيل مهمتهم. وقد قضى نفر منهم نحبه في أسفاره هذه. وقد كانت أكثر أسفار هؤلاء الروّاد أسفارا فردية قام بها أفراد من العلماء ومن الضباط والمغامرين. والأسفار الفردية، مهما كانت، لا تأتي بالنتائج التي تنجم عن دراسات البعثات المتخصصة بمختلف الشئون؛ لذلك نتطلع إلى اليوم الذي تتمكن فيه البعثات العلمية الكبيرة من اختراق آفاق بلاد العرب، وتقديم نتائج بحوثها إلى العلماء لتدوين تأريخ مرتب لجزيرة العرب قبل الإسلام، ولا سيما إلى البعثات العلمية العصرية التي تتألف من متخصصين من الناطقين بلغة هذه البلاد؛ لأن هؤلاء أقدر من غيرهم على فهم اللهجات القديمة ومحتوياتها وروح ذلك التأريخ.

ونستطيع أن نعدّ السائح الدانماركي"كارستن نيبور" carsten niebuhr الذي

<<  <  ج: ص:  >  >>