للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

من الشأم فالتقوا فاقتتلو قتالًا شديدًا فقتل "عمرو بن الظرب" وانفضت جموعه، فأجمعت الزباء رأيها لغزو "جذيمة" للأخذ بثأر أبيها، واستعدت لذلك. غير أن أختًا لها هي "زبيبة"، وكانت ذات رأي ودهاء وأدب، نصحتها بترك الحرب، فإن عواقبها غير مضمونة، فاستجابت لنصيحتها، وعمدت إلى طرق المكر والحيل فراسلته واستدرجته إلى عاصمتها في قصة معروفة مشهورة لا حاجة بي إلى إعادتها، فغدرت به وقتلته١. وطلب "قصير بن سعد بن عمرو ابن جذيمة بن قيس بن ربي بن نمارة بن لخم"، وكان أريبًا حازمًا أثيرًا عند "جذيمة بن الأبرش" من "عمرو بن عدي" خليفة "جذيمة" على الحيرة الخروج لقتال "الزباء"، فأحجم فلما رأى ذلك منه، صمم على أن يأخذ هو بالثأر، فذهب إليها مدعيًا أنه مضطهد ممقوت لتهمة نسبت إليه هي أنه ساهم في قتل "جذيمة" فوثقت به واطمأنت إليه وهي لا تعلم ما يخفي لها، ثم طلب منها أن يعود إلى بلده ليعود بأمواله ونفائس ما لديه فسمحت له وأعطته تجارة لتصريفها هناك، فباعها وعاد بأرباح طائلة وبأموال كثيرة، فزادت ثقتها به وتكرر الحال، حتى إذا ما وثق من اطمئنانها إليه عاد في المرة الأخيرة برجال أشداء من بني قومه ومعهم "عمرو بن عدي"، وضعهم في جوالق كبيرة فلما توسطوا في المدينة، أنزلت الجوالق وخرج الرجال منها، فوضعوا سيوفهم في رقاب أهلها، فلما رأت الزباء ذلك، أرادت الهرب من نفق حفرته لمثل هذه الأيام، اطلع قصير عليه، فوضع "عمرو بن عدي" على بابه. فلما رأته الزباء مصت خاتمها، وكان فيه سم، قائلة: "بيدي لا بيدك يا عمرو"، وتلقاها عمرو بن عدي بالسيف فجللها به وقتلها، وغنم كثيرًا، وانكفأ راجعًا إلى العراق٢.

وهي قصة محشوة بالأمثال المنسوبة إلى أبطالها: جذيمة وقصير والزباء وعمرو


١ حمزة "٦٥".
٢ الطبري "٢/ ٣٤ وما بعدها"، مروج "٢/ ١٩ وما بعدها"، ابن خلدون "٢/ ٢٦١" وما بعدها" البلدان "٣/ ٣٧٩"، مروج الذهب "٢/ ٦٩ وما بعدها"، "قصة جذيمة". فلما نظرت الزباء إلى مشي الجمال، قالت:
ما للجمال مشيها وئيدا ... أجندلا يحملن أم حديدا؟
أم صرفانا باردًا شديدا ... أم الرجال جثيًّا قعودا؟
مروج "٢/ ٧٢"، "دار الأندلس".

<<  <  ج: ص:  >  >>