للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثورة، ولم تكن بقيادة واحدة، أو بإمرة قائد خبير أو قادة متكاتفين خبراء بأمور الحرب والقتال، فصار من السهل على الحبش، الانقضاض عليها وإخمادها، أضف إلى ذلك أنها لم تؤقت بصورة تجعلها ثورات جماعية، وكأنها نيران تلتهب في وقت واحد، يعسر على مخمدي النيران إخمادها، أو إخمادها على الأقل بسهولة.

ولتحاسد الأقيال وتنافسهم على السيادة والزعامة نصيب كبير في هذا الإخفاق، لذلك وجه بعض السادة أنظارهم نحو الخارج في أمل الحصول على معونة عسكرية أجنبية خارجية، تأتيهم من وراء الحدود، لتكره الحبش على ترك اليمن. وكان صاحب هذا الرأي والمفكر فيه "سيف بن ذي يزن"، من أبناء الأذواء ومن أسرة شهيرة. وقد نجح في مشروعه، فاكتسب صفة البطولة وانتشر اسمه بين اليمانيين، حتى صير أسطورة من الأساطير، وصارت حياته قصة من القصص أمثال قصة أبي زيد الهلالي وعنترة وغيرهما ممن تحولوا إلى أبطال تقص حياتهم على الناس في المجالس وفي المقاهي وحفلات السمر والترفيه، أو تقرأ للتسلية واللهو.

و"سيف بن ذي يزن"، هو "معديكرب بن أبي مرة"، وقد عرف أبوه أيضًا بـ"أبي مرة القياض"، وكان من أشراف حمير، ومن الأذواء١.

وأمه "ريحانة بنة علقمة"، وهي من نسل "ذي جدن" على نحو ما ذكرت يقال إن أبرهة لما انتزع ريحانة من بعلها "أبي مرة"، فر زوجها إلى العراق فالتجأ إلى ملك الحيرة "عمرو بن هند" على ما يظن، وبقي "معديكرب" مع أمه في بيت "أبرهة" على ذلك مدة، حتى وقع شجار بينه وبين شقيقه من أمه "مسروق" الذي ولي الملك بعد موت أخيه "يكسوب" فأثر ذلك في نفسه وحقد على "مسروق" فلما مات يكسوم، خرج من اليمن، حتى قدم على قيصر ملك الروم، فشكا ما هم فيه، وطلب إليه أن يخرجهم عنه، ويليهم هو ويبعث إليهم من يشاء من الروم، فيكون له ملك اليمن، فلم يشكه ولم يجد عنده شيئًا مما يريد، فخرج حتى قدم الحيرة على النعمان بن المنذر، فأسكنه عنده ثم أوصله بكسرى، وحدثه في شأنه وفي خاطره في قومه، فأمده بثماني مائة محارب، وبـ "وهرز" أمره عليهم، وبثماني سفن جعل في كل سفينة مائة


١ الطبري "٢/ ١٣٠، ١٤٣"، "معديكرب بن سيف"، مروج "٢/ ٥٥"، "دار الأندلس".

<<  <  ج: ص:  >  >>