للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

نزاع وإن لم يقلق الأمن ويعبث بسلام المدينة، إلا أنه أثر في حياتها الاجتماعية أثرًا خطيرًا، انتقلت عدواه إلى أيام الإسلام.

لقد حاول بعض رؤسائها ووجوهها التحكم بأمر مكة، وإعلان نفسه ملكا عليها, يحلي رأسه بالتاج شأن الملوك المتوجين، ولكنه لم يفلح ولم ينجح، حتى ذكر أن بعضهم التجأ إلى الغرباء؛ لمساعدتهم بنفوذهم السياسي والمادي والعسكري في تنصيب أنفسهم ملوكا عليها، فلم ينجحوا، كالذي ذكروه عن "عثمان بن الحويرث بن أسد بن عبد العزى"، المعروف بـ"البطريق"، من أنه طمع في ملك مكة، فلما عجز عن ذلك خرج إلى قيصر، فسأله أن يملِّكه على قريش، وقال: أحملهم على دينك، فيدخلون في طاعتك، ففعل، وكتب له عهدًا وختمه بالذهب، فهابت قريش "قيصر" وهموا أن يدينوا له، ثم قام الأسود بن المطلب أبو زمعة فصاح، والناس في الطواف: إن قريشا لقاح! لا تملك ولا تملك, وصاح الأسود بن أسد بن عبد العزى: ألا إن مكة حي لقاح، لا تدين لملك. فاتسعت قريش على كلامه، ومنعوا عثمان مما جاء له، ولم يتم له مراده، فمات عند ابن جفنة؛ فاتهمت بنو أسد ابن جفنة بقتله١, وابن جفنة هو عمرو بن جفنة الغساني٢.

ولم يكن عثمان بن الحويرث أول زعيم جاهلي فُتن بالملك وبلقب ملك, الحبيب إلى النفوس، حتى حمله ذلك على استجداء هذا اللقب والحصول عليه بأية طريقة كانت، ولو عن سبيل التودد إلى الأقوياء الغرباء والتوسل إليهم؛ لمساعدتهم في تنصيبهم ملوكًا على قومهم، ففي كتب أهل الأخبار والتواريخ أسماء نفر كانوا على شاكلته، فتنهم الملك وأعماهم الطمع وحملهم ضعف الشخصية وفقر النفس حتى على التوسل إلى الساسانيين والروم، لتنصيبهم على قومهم ومنحهم اللقب الحبيب، ووضع التاج على رأسهم، في مقابل وضع أنفسهم وقومهم في خدمة السادة المساعدين أصحاب المنة والفضل.

ولقد استمات عثمان بن الحويرث في سبيل الحصول على ملك مكة، حتى ذكر


١ نسب قريش "٢٠٩ وما بعدها"، الروض الأنف "١/ ١٤٦".
٢ جمهرة ابن حزم "١٩٠"، الروض الأنف "١/ ١٤٦", نسب قريش "٢٠٩ وما بعدها".

<<  <  ج: ص:  >  >>