للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المتمكن كل ما يتمكن تقديمه من مال ليستغله ويأتيه برزق يعيش عليه؛ ولذلك يعد رجوع القافلة آمنة مطمئنة بُشرى وسرورًا للجميع.

وقد أدى نشاط بعض أسر مكة في التجارة إلى حصولها على ثروات كبيرة طائلة، وقد أسهم رجل واحد من أهل هذه المدينة هو "أبو أحيحة", بثلاثين ألف دينار في رأس مال القافلة التي تولى قيادتها أبو سفيان. ومبلغ مثل هذا ليس بشيء قليل بالقياس إلى الوضع المالي في تلك الأيام, كذلك كان "عبد الله بن جدعان" و"الوليد بن المغيرة المخزومي" من أثرياء مكة، وقد اشتهر بنو مخزوم بالثروة والمال.

وكانت لأسر مكة تجارات خاصة مع العراق وبلاد الشام واليمن ومواضع من جزيرة العرب, تجارات لا علاقة لها برحلتي الشتاء والصيف، وكان لبعضها تجارة مع الأنبار والحيرة في العراق، وكان لبعض آخر تجارة مع "بصرى" و"غزة" وأذرعات في بلاد الشام, وكان لآخرين تجارة مع بلاد اليمن, وكان للأسر الغنية الثرية اتصال تجاري مع كل هذه المواضع, وتعاملت مع كل الأماكن المذكورة، ولها وكلاء يبيعون لها ويشترون, كما كانت هي تتوكل لتجار العراق وبلاد الشام واليمن، وتجني من هذا التعامل أرباحًا طيبة.

وقد تحدثت عن النزاع الذي كان قد نشب بين أهل مكة و"أبرهة"، وهو نزاع ذو طبيعة سياسية في الأغلب، وإن جعله أهل الأخبار ذا طبيعة دينية. والأغلب أن الروم حثوا أبرهة على السير إلى مكة والاتجاه منها نحو الشمال، للاتصال ببلاد الشام، والاستيلاء بذلك على العربية الغربية، وبذلك يكون لهم سلطان على القسم الغربي من جزيرة العرب، فيأمنون على مصالحهم الداخلية وينزلون بذلك ضربة كبيرة بأعدائهم الساسانيين, وبمن كان يساعدهم من سادات قبائل١. ولكن أخفق التدبير، ورجع "أبرهة" خائبًا لم يحقق شيئًا.

وأدى استيلاء الفرس على اليمن إلى حدوث تطور في علاقات أهل مكة بالفرس وبالروم. وقد أخذ الفرس يتدخلون في تجارة العربية الجنوبية، فصاروا يرسلون ببضائع من أسواق العراق إلى اليمن، ويأخذون في مقابلها بضائع من أسواق


١ Ency., III, p. ٤٤٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>