للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وكان من أغنياء مكة من يأكل بصحاف من ذهب وفضة، ويشرب بآنية من ذهب وفضة ومن بلور، ويأكل على طريقة الروم والفرس بسكاكين وشوكات مصنوعة من ذهب أو من فضة, على حين كان أكثر أهل مكة فقراء لا يملكون شيئًا, وكانوا يلبسون الحرير، ويتحلون بالخواتم المصنوعة من الذهب، تزينها أحجار كريمة. ولعل هذا الإسراف والتبذير كانا في جملة العوامل التي أدت إلى منع المسلمين من استعمال الأواني المصنوعة من الذهب والفضة للأكل والشرب، ومن صدور النهي من استعمال الحرير للرجال١.

وقد حرص هؤلاء الأغنياء على إكثار أموالهم, وعلى توسيع تجارتهم، لذلك كانت هجرة الرسول إلى يثرب وتحرش المسلمين بقوافلهم الذاهبة الآيبة بين بلاد الشام ومكة لطمة كبيرة أصابتهم. لقد اجتمع ملؤهم بعد وقعة بدر للتداول في أمرهم. فقال قائل منهم: "قد عور علينا محمد مَتْجَرنا وهو على طريقنا. وقال أبو سفيان وصفوان بن أمية: إن أقمنا بمكة أكلنا رءوس أموالنا. قال زمعة بن الأسود: فأنا أدلكم على رجل يسلك بكم النجدية، لو سلكها مغمض العينين لاهتدى. قال صفوان: من هو, فحاجتنا إلى الماء قليل, إنما نحن شاتون؟ قال: فرات بن حيان، فدعواه فاستأجراه، فخرج بهم في الشتاء، فسلك بهم على ذات عرق، ثم خرج بهم على "غمرة"، وانتهى إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- خبر العير وفيها مال كثير, وآنية من فضة حملها صفوان بن أميه، فخرج زيد بن حارثة فاعترضها، فظفر بالعير، وأفلت أعيان القوم، فكان الخمس عشرين ألفًا، فأخذه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وقسم أربعة الأخماس على السرية، وأتى بفرات بن حيان العجلي أسيرًا، فقيل: إن أسلمت لم يقتلك رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أسلم، فأرسله"٢. وقد عرفت هذه الغزوة بـ"غزوة القردة", وقد كانت في السنة الثالثة من الهجرة.

وقد أشير في ديوان "حسان بن ثابت" إلى "فرات" هذا, كما أشير


١ شمس العلوم "جـ١, قسم ٢, ص٢٩٣".
٢ الطبري "٢/ ٤٩٢"، "دار المعارف"، الاشتقاق "٢٠٨"، البلاذري، أنساب "١/ ٣٧٤".

<<  <  ج: ص:  >  >>