للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

"تبعه أهل الحجر وأهل المدر، يريد أهل البوادي الذين يسكنون مواضع الأحجار والرمال، وأهل المدر، أهل البادية"١. ويظهر من روايات أخرى أن "أهل المدر" هم أهل البادية، ولكن أكثرها أن "أهل المدر" هم الحضر؛ لأن اتخاذ بيوت المدر لا يكون في البادية، بل في الحضر.

وورد أن أهل البادية إنما قيل لهم "أهل الوبر"؛ لأن لهم أخبية الوبر, تمييزًا لهم عن أهل الحضر الذين لهم مبانٍ من المدر، ومن هنا قيل للقرية "المدرة"؛ لأنها مبنية بالطين واللبن، وذكر أن "المدرة" القرية والمدينة الضخمة أيضًا؛ لأن المدن تبنى بالمدر أيضًا, ومن هنا قيل للحضر عمومًا: بنو مدراء٢.

ويذكر علماء اللغة أن الحضر والحاضرة والحضارة خلاف البادية والبداوة والبدو. والحضارة الإقامة في الحضر, والحاضر والحضر هي المدن والقرى والريف، سميت بذلك لأن أهلها حضروا الأمصار ومساكن الديار التي يكون لهم بها قرار٣. وقد عرفوا بأهل القارية، وذلك في مقابل أهل البادية، لأهل البدو٤.

و"أهل القرار" هم الحضر؛ لأنهم اختاروا القرار وأحبوا الاستقرار والإقامة في مكان واحد, ولأن الطبيعة حبتهم بكل شيء يغري على الارتباط بالأرض, ولو ولد الأعرابي بين الحضر وتوفر لديه ما يؤمن له رزقه الدائم في مكانه الذي ولد فيه، لما تنقل وارتحل، ولصار حضريا من دون شك مثل سائر أهل الحضر. ولكن الطبيعة حرمته من نعم الاستقرار، فصار بدويًّا يتتبع العشب والماء, فالطبيعة هي المسئولة عن البداوة وعن انتشارها في جزيرة العرب.

ومن هنا قيل للحضري الذي لا ينتجع ويكون من أهل الأمصار "القراري", ولما كان أكثر "أهل القرار" هم من الصناع، قيل لكل صانع: "قراري".


١ اللسان "٤/ ١٦٦"، "حجر".
٢ تاج العروس "٣/ ٥٣٥"، "مدر".
٣ تاج العروس "٣/ ١٤٦"، "حضر".
٤ اللسان "١٥/ ١٧٨"، "قرا".

<<  <  ج: ص:  >  >>