للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كما سبق أن قلت, جنسية ثقافية. أما من الناحية "البيولوجية" وهي تتعلق بالملامح وبأمور بيولوجية أخرى فليست بجنسية خاصة يمكن تمييزها من بين قبائل الأجناس البشرية، لما نراه فيما بين شعوبها من تباين. ثم إن بين العرب أنفسهم، تباينًا واختلافًا في الملامح، بسبب قرب العرب وبعدهم من الأعاجم, وأثر فعل الرقيق والأسرى في امتزاج الدم بينهم, ثم أثر فعل الطبيعة وعملها في الإنسان، وما تقدمه له من غذاء ونوع ماء وحر وبرد ومطر وضغط جوي ونوع تربة.

واليهود هم من الجنس السامي، جنس خليط كذلك في القديم وفي الحديث, فقد دخل اليهود دم غريب أيضًا، ونجد في التوراة وفي أسفار المكابيين والكتب العبرانية الأخرى، إكراه اليهود للشعوب التي استولوا على أرضها على التهود, فدخلت في اليهودية، وهي ليست من أصل يهودي، وصارت من يهود. وقد دخلت اليهودية في حمير وبني كنانة وبني الحارث كعب وكندة، وهم من العرب١, ودخل آخرون في اليهودية، وصاروا يهودًا. فاليهود مثل غيرهم، فيهم اليهودي الخالص، وفيهم اليهودي الغريب, وفي ملامحهم المتباينة ما هو دليل على وجود الاختلاط في الدم.

وأنا إذ أتكلم عن ملامح العربي، فإني لا أزعم أن لدي أو لدى الباحثين مقاييس خاصة ثابتة نستطيع أن نقيس بها ملامح العرب, بحيث نحددها في حدود ونرسم لها رسومًا لا تتعداها ولا تتخطاها. فحدود مثل هذه لا يمكن أن توجد ولا يمكن أن ترسم؛ لأن بين العرب تباينًا وتنابزًا في الصور وفي الملامح بحيث يكون من الصعب علينا وضع حدود ثابتة لملامح العرب، يخضع لها كل العرب أو أكثرهم. وسبب ذلك اتساع جزيرة العرب, ووجود سواحل طويلة جدا تقابل قارتين: قارة سوداء هي إفريقيا، وقارة أخرى هي آسيا، لون بشرة سكان سواحلها الجنوبية الشرقية السواد والسمرة الغامقة. وهي سواحل مفتوحة غذَّت جزيرة العرب بعناصر ملونة اختلط دمها بالدم العربي حتى أثر ذلك اللون في سحن الناس هناك, فبان السواد أو اللون الداكن على السواحل العربية المقابلة لسيلان وللهند, وظهرت الملامح الإفريقية على سحن الساحل الغربي لجزيرة العرب من تهامة فيما بعد حتى ساحل عمان، وظهرت سحن وملامح أقوام بيض من روم


١ الأعلاق النفيسة "٢١٧".

<<  <  ج: ص:  >  >>