للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لقيس بن عاصم: بِمَ سُدْتَ قومك؟ قال: ببذل الندى وكف الأذى ونصرة المولى وتعجيل القِرَى, وقد يسود الرجل بالعقل والعفة والأدب والعلم. ووصف بعضهم السؤدد بأنه اصطناع العشيرة واحتمال الجريرة. وقد سئل أحد السادات: بأي شيء سدت قومك؟ فقال: "إني -والله- لأعفو عن سفيههم، وأحلم عن جاهلهم، وأسعى في حوائجهم, وأعطي سائلهم، فمن فعل فعلي فهو مثلي، ومن فعل أحسن من فعلي فهو أفضل مني، ومن قصر عن فعلي فأنا خير منه"١.

وذكر أهل الأخبار أيضًا، أن العرب كانت تسود على أشياء, فكانت مضر تسود ذا رأيها, وأما ربيعة فمن أطعم الطعام، وأما اليمن فعلى النسب٢.

والرئيس الناجح، هو الرئيس الذكي الفطن الذي تكون له قدرة وقابلية على التصرف بذكاء وبحذر وفقًا لعقلية القبائل. فيعرف كيف يعامل كل شخص يأتي إليه المعاملة التي تلائمه وتليق به، بحلم وصبر وأناة، وبقساوة وغلظة أحيانًا؛ من أجل إخافة أتباعه، لخوف القبائل من البطاش الظالم. على ألا يسرف في ظلمه ويمعن في غيه، فيقع له ما وقع لكليب وائل ولأمثاله من الذين أسرفوا في الاعتماد على أنفسهم وعلى قابلياتهم، فأهلكوا أنفسهم. ولهذا كان من شأن عقلاء سادات القبائل عرض المنازعات والخصومات القبلية للحكم فيها, وبذلك يخلصون أنفسهم من مشكلات صعبة كانت ستقع تبعتها على أكتافهم فيما إذا انفردوا بالنظر بها دون سائر الرؤساء.

ومن أعراف الحكم عند القبائل، أن سيد القبيلة يستمد رأيه من رأي أشراف قبيلته ووجوهها في الأمور الهامة التي تخص حياة القبيلة؛ ليستنير برأيهم، وليعرف رأي أتباعه في معالجتها. وتساعد هذه المشورة سادات القبائل مساعدة كبيرة في التمكن من إدارة القبيلة إدارة حسنة ترضي الغالبية، وقد توصل الرئيس إلى النجاح والنصر في الغزو، فيرتفع اسمه ويعلو نجمه. ولا زال سادات القبائل يستمعون إلى مشورة رؤساء القبيلة، ويقيمون لرأيهم وزنا إلى يومنا هذا. ورأيهم هذا هو مجرد مشورة ونصح؛ بمعنى أنه لا يلزم سيد القبيلة بوجوب العمل بموجبه, فقد ينبذه ويعمل برأيه وبقراره، لا سيما إذا كان قوي الشخصية متجبرًا عنيدًا.


١ بلوغ الأرب "٢/ ١٨٧ وما بعدها".
٢ بلوغ الأرب "٢/ ١٨٧".

<<  <  ج: ص:  >  >>