للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

معروف. هو أن القتيل إذا كان شريفًا في قومه. وكان قاتله وضيعًا صعلوكًا، أو عبدًا فلا يقبل أهل القتيل ب "القود"، بل بعرف تكافؤ الدم. فعندهم أن دم القتيل الشريف، لا يغسل إلا بدم شريف مثله ومن أهل مكانته، ومعنى هذا أن قتل القاتل لا يكفي، بل لا بد لأهل القتيل في هذه الحالة من البحث عن شريف من قوم القاتل يكون مكافئًا للقتيل في المنزلة والمكانة حتى يقتل به، فيغسل عندئذ بقتله دمه. وينام الثأر. وقد يكون المقتول وهو ما يحدث في الغالب بريئًا ولا علاقة له بالقتيل ولا القاتل. ولكن العرف القائم على نظرية التكافؤ بين الطبقات، لا يفهم براءة بريء، وحتى قتل القاتل وحده، بل يدين بعقيدة أن الدم لا يغسل إلا بدم موازٍ له، فلا بد من قتل شريف بشريف إذن حتى ينام أهل القتيل.

وإلى ما تقدم من الإسراف في القتل البريء بدم مقتول، أشير في القرآن الكريم: {وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُوماً فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَاناً فَلا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ} ١. "وذلك أن أهل الجاهلية، كانوا يفعلون ذلك، إذا قتل رجل رجلًا عمد ولي القتيل إلى الشريف من قبيلة القاتل فقتله بوليه، وترك القاتل، فنهى الله عزّ وجلّ عن ذلك عباده، وقال لرسوله، عليه السلام، قتل غير القاتل بالمقتول معصية وسرف، فلا تقتل به غير قاتله. وإن قتلت القاتل بالمقتول، فلا تمثل به"٢.

وعلى هذه النظرية الطبيعية بنوا تقييم أثمان الديات، أي ثمن الدم. فدية الملوك في الجاهلية أغلى ما دفع ثمنًا عن دم. إذْ جعلت دية الملك ألفًا من الإبل، فعرفت لذلك بدية الملك. تليها في الثمن ديات الأشراف وسادات القوم حسب الشرف والمنزلة حتى نصل إلى ديات المغمورين المطمورين فتكون أقلها ثمنًا. إذْ تبلغ خمسًا من الإبل، وقد تنقص في ذلك. وعلى هذه النظرية القائمة على "الفوقية"، و "التحتية"، قدرت فدية الأسرى أيضًا. ففدية الملوك الذين يقعون في أسر آسر ألف من الإبل، وعرفت ب "فدية الملوك" وفدية من هم دونهم أقل حتى تصل إلى أبخس ثمن، وهي فدية سواد الناس. ولهذا حرص


١ "الإسراء"، الآية ٣٣.
٢ تفسير الطبري "١٥/ ٥٩".

<<  <  ج: ص:  >  >>