للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الطائفتين تقول: فيكم مثل فلان يشيرون إلى القبر، وقال الآخرون مثل ذلك فأنزلت: {أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ} ١.

وتقع المفاخرات بحضور محكمين في الغالب، أو طرف ثالث محترم، وعلى الطرفين قبول الحكم وإطاعته، وسماع رأي الطرف الثالث في حجج وأقوال المتخاصمين المتفاخرين، وتكون المفاخرة بإظهار كل طرف ما عنده من خصال يفاخر بها، ومن مناقب يستأثر بها، ومن مجد يرى أنه انفرد به دون خصمه، ثم يذكر ما امتاز به على خصمه، بكلام منثور ومنظوم، منسق منمق، وما قام به من أعمال فريدة، وما حل عليه من حروبه مع الناس. وبعد أن يفرغ المتفاخرون من إلقاء ما عندهم من حجج وبيان، ينظر المحكمون في الحجج التي استمعوا إليها، ليبدوا حكمهم بموجبها ويكون حكمهم أصعب شيء يواجهونه، لما يتركه من أثر في نفوس المتخاصمين، ولما سيكون له من تأثير في مكانة من سيخسر المفاخرة.

ويقال للمفاخرة "المنافرة". و "المنافرة" المحاكمة في الحسب، وأن يفتخر الرجلان كل واحد منهما على صاحبه، ثم يحكّما بينهما رجلًا، كفعل "علقمة بن علاثة" مع "عامر بن طفيل" حين تنافرا إلى "هرم بن قطبة الفزاري"، وفيهما يقول الأعشى يمدح "عامر بن الطفيل" ويحمل على "علقمة بن علاثة":

قد قلت شعري فمضى فيكما ... واعترف المنفور للنافر

وقد نافر "أنيس" أخو "أبي ذرّ الغفاري" شاعرًا على شعره، إذْ كان يرى أنه أجود منه شعرًا٢. وتكون المنافرة في كل شيء، يرى إنسان أنه يفوق به غيره، كالمنعة والعزّ والجاه والكرم وما شاكل ذلك من خصال. قال "ابن سِيده": "وكأنما جاءت المنافرة في أول ما استعملت أنهم كانوا يسألون الحاكم: أينا أعز نفرًا؟ "٣.

و"النفار" أن يتنافروا إلى حاكم يحكم بينهم. و "النفورة" الحكومة.


١ بلوغ الأرب "١/ ٢٧٩".
٢ اللسان "٥/ ٢٢٦".
٣ اللسان "٥/ ٢٢٦"، القاموس "٢/ ١٤٦".

<<  <  ج: ص:  >  >>