للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

في مرعى قد حماه، فأقبلت الناقة إلى صاحبها وهي ترعو وضرعها يشخب لبنًا ودمًا، فلما رأى ما بها انطلق إلى البسوس فأخبرها بالقصة، فقالت: وا ذلاه! وا غربتاه! وأنشأت تقول أبياتًا تسميها العرب أبيات الفناء. فسمعها ابن أختها جساس فثار الدم في رأسه، وخرج معقبًا كليبًا حتى وجده فطعنه طعنة قضت عليه. ووقعت الحرب بين بكر وتغلب ودامت أربعين سنة. وسار شؤم البسوس مثلا، ونسبت الحرب إليها لكونها سببها، فقيل: حرب البسوس١. وهكذا فسر أهل الإخبار سبب وقوع حرب البسوس.

وقص أهل الأخبار قصة امرأة أخرى، قالوا إن رغيف خبز لها صار سببًا في وقوع شر بين حيّين، وأدى إلى وقوع قتلى. حتى قيل: أشأم من رغيف الخولاء. والخولاء خبازة في "بني سعد بن زيد مناة"، فمرت وعلى رأسها كارة خبز، فتناول رجل عن رأسها رغيفًا، فاشتكت إلى رجل كان جارًا لها. فثار وثار معه قومه إلى الرجل الذي أخذ الرغيف وقومه بينهم ألف نفس، وسار رغيف الخولاء مثلا في الشيء اليسير بجلب الخطب الكبير٢.

وذكر أهل الأخبار اسم امرأة أخرى اشتهرت بعطرها، حتى ضرب به المثل، فقيل: "عطر منشم". ولهم أقوال في سبب ضرب هذا المثل. وخلاصتها أن "منشم" امرأة عطارة تبيع الطيب، فكانوا إذا قصدوا حربًا غمسوا أيديهم في طيبها، وتحالفوا عليه بأن يستميتوا في الحرب ولا يولوا أو يقتلوا، فكانوا إذا دخلوا الحرب بطيب تلك المرأة يقول الناس: قد دقّوا بينهم عطر منشم، فلما كثر القوم صار مثلا. فممن تمثل به زهير حيث قال:

تدراكتما عبسًا وذبيان بعدما ... تفانوا ودقوا بينهم عطر منشم٣

واختار أهل الأخبار من بين النساء امرأة جعلوها مثالا للحمق، حتى قالوا: "حمق دغة". وهي دغة بنت منعج. روي لها حماقات كثيرة. وجعلوها مثلًا


١ الثعالبي، ثمار القلوب "٣٠٧ وما بعدها"، الميداني، الأمثال "١/ ٣٧٢".
٢ الثعالبي، ثمار "٣١٠".
٣ الثعالبي، ثمار القلوب "٣٠٨ وما بعدها"، ديوان زهير "١٥"، ابن قتيبة، المعارف "٦١٣".

<<  <  ج: ص:  >  >>