للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حصر. إذ لم تحدد شرائعهم للرجال عدد ما يتزوجونه من نسائهم. فلما جاء الإسلام، حدد العدد وجوَّز للرجل أن تكون له أربع زوجات في وقت واحد، ومنعه من تجاوز العدد في حالة الجمع، بمعنى أنه لا يسمح له أن يجمع بين خمس زوجات أو أكثر من ذلك في وقت واحد بشرط العدالة بينهن، فإن خاف الزوج ألا يعدل بينهن فواحدة.

ويذكر أهل الأخبار أن أهل الحرم أول من اتخذ الضرائر١، والضرائر زوجات الرجل الواحد، وكل منها ضرة للأخرى.

والغاية الأولى من الزواج هي النسل، لذلك قالت العرب: من لا يلد لا وُلد٢. وكرهت العاقر وعدتها شؤمًا. واتخذ العقر من الأسباب الشرعية للطلاق، إذ كان الرجل يأبى البقاء مع امرأة لا تلد. لذلك كان يطلقها في الغالب، لانتفاء الفائدة منها مع إنفاقه عليها، أو يتزوج عليها ليكون له عقب، وعندهم أن المرأة القبيحة الولود، خير من الحسناء العاقر، وأن "سوداء ولودًا خير من حسناء عاقر"٣. وليست هذه العادة من عادات العرب وحدهم ولكن يشاركهم فيها أكثر الشعوب الأخرى، ومنها الشعوب السامية.

ولسادات القبائل والأشراف والملوك غرض آخر من الزواج، هو غرض كسب الألفة واجتذاب البعداء، والنصرة، حتى يرجع المنافر مواليًا، ويصير العدو مؤالفًا، فهو زواج "سياسي". يتزوج الملك أو سيد قبيلة ابنة سيد قبيلة أخرى، فيشد بزواجه هذا من أزر ملكه أو من قوة قبيلته. لا سيما إذا كانت البنت من قبيلة كبيرة. وقد عمل بهذا الزواج كثيرًا في الجاهلية، كما عمل به في الإسلام. فقد استفاد معاوية كثيرًا من زواجه من قبيلة "كلب"، إذ ساعدته وأيدته. وروعي هذا الزواج في المواضع التي تغلبت عليها الحياة القبلية بصورة خاصة للتغلب على طباع البداوة، القائمة على النفرة من الخضوع لحكم حاكم غريب عنها. وبهذا الزواج تخف هذه النفرة، فتشعر القبيلة أنها من أصهار هذا الحاكم، وعليها واجب مساعدته بحكم عصبية المصاهرة.


١ اللسان "١٢/ ١٢١". "حرم".
٢ بلوغ الأرب "٢/ ٩".
٣ بلوغ الأرب "٢/ ١٠".

<<  <  ج: ص:  >  >>